يعيد الفنان سمير تومي للعائلة الجزائرية لمَّتها الرمضانية حول ما لذَّ وطاب من الأنغام والكلام الموزون من خلال حصته المنوّعة "موزاييك" في موسمها الثاني، بعد أن حقّقت النجاح في رمضان الفارط؛ حيث يفد الفنانون من أجيال مختلفة، ومن مدارس فنية شتى، وكذا من مناطق عدة من الجزائر؛ حيث يحلو السمر على الوتر. نجح الفنان سمير تومي إلى حدّ كبير، في استقطاب الجمهور في الداخل والخارج، حيث يطلّ يوميا من خلال شاشة "الحياة" مستقبلا العديد من النجوم، الذين يرافقهم في الغناء، ويفتح معهم مواضيع تهم الفن الجزائري، وعلى رأسه الأغنية، وكلّ ما يرتبط بها من تأليف كلمات، وتلحين وأداء، وحتى التكوين، حاثا في كلّ مرة، على ضرورة الرجوع بالأغنية الجزائرية، إلى مجدها من خلال الاهتمام بالنوعية بدل اللهث وراء السهل والرديء الذي لا يغني من جوع، وسرعان ما يضمحل، عكس ما كانت الأجيال الذهبية تقدّمه، ويطول عمره لعقود. تومي محاور لبقٌ وذكيٌّ رمى الفنان تومي بكلّ ثقله في هذا البرنامج الناجح، مستغلا معارفه الموسيقية، وعلاقاته بالفنانين. ويبدو متمكّنا في الحضور؛ إذ لا أثر في برنامجه للملل، أو الحديث الجاهز والجاف، بل يفتح جانبا للطرافة، وأحيانا للذكريات. ولا يتردّد في مرافقة الضيوف في بعض الأغاني مهما كانت مشاربهم الفنية وطبوعهم. لغة بسيطة وسلسة، لكنها في نفس الوقت عميقة، تطرح مسائل مهمة، تخصّ، مثلا، الذوق الفني العام، أو التراث، أو المعالم المادية؛ منها الأماكن الفنية من مدارس في الأداء، بل حتى في السلوك والأخلاق الحميدة. وأكّد جل النجوم ممن استضافهم سمير تومي، أنّ البرنامج بمثابة بيت فني يجمعهم، علما أنّ بعضهم لم يلتقوا منذ سنوات، مشتكين من فضاء يجمعهم كفنانين وكأصدقاء. ورأوا أنّ البرنامج أبعد ما يكون عن التكلّف والرسميات، متّسم بالصراحة، والتلقائية، والحب بين الضيوف، في حوار جميل هادئ. ويرافق الفنان تومي بالتناوب عبر الحلقات، الممثلون فؤاد زاهر، وعثمان بن داود، وسيد علي بن سالم، الذين يضفون بدورهم، أجواء من البهجة، مع مشاركتهم في الحوارات التي تُفتح للنقاش. هي تجربة ناجحة تضاف لمشوار تومي الفني. ورغم هدوء هذا الفنان ورصانته، إلا أنّه يبدو في البرنامج مرحا نشطا ومتجاوبا، يوزّع الحوار، ويشارك بآرائه، ويذكّر ضيوفه بالذي مضى من ذكريات أحيانا تكون مشتركة؛ سواء كانوا من أبناء حيه، أو درسوا معه في الجمعيات، أو جمعتهم حفلات وجولات داخل وخارج الوطن. وكان الفنان سمير تومي قال ذات مرة في ومضة إشهارية ترويجية للبرنامج، "ستشاهدون سمير تومي في مغامرة كبيرة من خلال موزاييك، سأستضيف فيها أصدقائي الفنانين". أسماء وازنة لاستحضار الزمن الجميل نزلت على البرنامج في الطبعة الثانية، أسماء وازنة في الساحة الفنية، يبدو عليها التجاوب، وحبها للمنشط الذي لا يكتفي، فقط، بالسؤال والجواب أو تناول حديث ما، بل يجعل الفنان المدعو الذي يسميه ضيفا، يحسّ بأجواء البيت، وينتقل بكل تلقائية وبلهجة جزائرية أصيلة، بين مواضيعه، وتعليقات وتدخلات مختلفة ولو كانت مجرد تعليق على طبق اليوم. كما زادت احترافية الفرقة الموسيقية للبرنامج، مستوى فنيا راقيا، وتمكنها من العزف في كل الطبوع الجزائرية، التي قد تمتد أحيانا إلى أخرى شرقية؛ من ذلك الأداء للسيدتين فيروز ووردة. ومن الفنانين الذين رجع بهم سمير تومي إلى ذكريات مشتركة، الفنان حميدو، وكذا راضية عدة، ونوال اسكندر، تحدّثوا جميعهم عن التحاقهم بمدارس الصنعة، وفضل أساتذتهم، ومنهم الراحلان إسماعيل هني ونصر الدين سعودي، وغيرهما. كما تذكّر بعضهم أيام الصبا والسباب بحي "بلكور" الذي أنجب العديد من الفنانين، ومن ثمة دور الأحياء الشعبية في تكوين هذا الانتماء وهذا الذوق للفن الأصيل، وطبعا اختار المتحدثون مقاطع من الأندلسي والحوزي والمسامعي. ومن الفنانين الحاضرين أيضا الفنان خالد محبوب ابن محمد محبوب القادم من واد سوف، الذي هزّ الأستوديو بالمواويل، وكذا بعض أغاني التراث وغيرها، متوقّفا عند خصوصيات الأغنية السوفية، التي قال عنها تومي "أينما حلت صنعت البهجة". ومن المالوف اختار تومي الفنانين بن زينة، وعدنان الفرقاني، اللذين أبدعا في اختيار القصائد، وحتى الطقطوقات. وكذلك الحال مع الفن القبائلي والشعبي مع مراد جعفري، ثم سليم الشاوي وجميلة العنابية اللذين ربطا الغناء بالكلمة المعبّرة والنظيفة . وفي كل حلقة يتم مع المشاركين استحضار بعض روائع زمان، وغناؤها، من ذلك أغاني الراحل الحسناوي، والفنان ميسوم، والفنانة ثريا، ومحمد وجدي، وسلوى، مؤكدين أن هذا التراث لا يموت، وأن الجيل يؤديه، ويثمّنه. دعوة نجوم الغد خلال الحديث عن جيل الماضي وتأدية روائعه، يقوم الفنان سمير بدعوة من لايزالون على قيد الحياة، على المباشر، للحضور، منهم الفنان الكبير الغازي، وكذا محمد وجدي، مع استحضار خصوصية بعض المدن التي ارتبطت بالشعر الملحون وبالموسيقى؛ كالبليدة، ومليانة، وشرشال، وقسنطينة، وتلمسان وغيرها. وحرض المنشط على دعوة بعض الفنانين الشباب، منهم الفائزون في جوائز وطنية كجائزة الهاشمي قروابي، وإعطائهم فرصة الظهور، وفتح نقاش بينهم وبين المحترفين، داعيا كلّ المواهب لاستغلال شبكات التواصل الاجتماعي لنشر مواهبهم . ويبقى العنصر القار في البرنامج هو الذوق الرفيع، وإدانة الابتذال الفني مباشرة، وكذا الوقوف عند العلاقات الأخوية بين الفنانين، التي يجب أن تكون هي المثال الذي ينشر في المجتمع كما كان ذلك مع جيل العمالقة.