من حق بلخادم أن يحلم بالترشح لرئاسة الجمهورية، لأنه "حلم" مشروع لكل من مارس السياسة، لكن ليس من حقه أن يدوس على الجميع ليصل إلى مراده، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالأقلام الحرة التي لا مصلحة لها من العراك السياسي غير مصلحة البلاد. حلم بلخادم في اعتلاء كرسي المرادية قديم ويعود إلى ليلة الإعلان عن استقالة الشاذلي يوم 11 جانفي 1992، يومها جاء بلخادم مهرولا إلى الرئاسة، فاستقبل في المدخل وسئل ما السبب الذي جاء به في هذه الساعة من الليل؟ فرد أنه رئيس المجلس الشعبي الوطني بالنيابة وأن الدستور يعطيه حق "رئاسة" الجمهورية مدة 40 يوما في حال شغور المنصب، فقيل له أنه جاء متأخرا، لأن الرئيس حل البرلمان يوم 4 جانفي. معرفة تفاصيل هذه القصة الطريفة قد تساعد المتتبع على فهم ما يحدث هذه الأيام من اقتتال في الأفلان، ولماذا استعان بلخادم بأبنائه وبحاشيته للدوس على جسد "أمه" للمرور إلى الكرسي. حلم قديم إذن، قرر بلخادم أن يحققه مهما كان الأمر، لكن ما لا يعرفه بلخادم، ربما، أن الذين وجدهم واقفين أمام باب الرئاسة، هم نفسهم من يحرس الآن المعبد، معبد لا يصلي فيه الملتحون، ولا من هم على شاكلة بلخادم. سباق الرئاسيات مازال بعيدا، وبلخادم لا يعرف تقنيات العدو في هذا المضمار، فالعدو للمسافات الطويلة يتطلب الصبر وعدم حرق كل الطاقات في الأمتار الأولى من السباق، وبلخادم المتسرع أحرق ليس فقط طاقته التي هو في حاجة إليها للفوز بالسباق، بل أحرق كل أوراقه مرة واحدة وهذه نتيجة الكمين الذي نصبه له قادة الجبهة، وجعلوه يتسرع ويخطئ ويدوس على القانون، ويفعل كل شيء من أجل الوصول إلى مبتغاه، وانكشفت عورته وعورة أبنائه، فإن كان الحفاظ على أمانة الجبهة دفع به إلى الاستعانة بعصابة من الخارجين عن القانون، فهل سيستعين بإيران من أجل الرئاسة، الرجل مستعد لحرق الجزائر كلها، وصب الزيت عليها إن تطلب الأمر من أجل الرئاسة التي يرى نفسه الأحق بها. فليكن له ذلك، لكن من يضمن له الفوز؟ إيران أم قطر؟! ثم لكل رئيس جمهورية "بروفايل" خاص لإقناع الناخب للتصويت عليه، فإما أن يكون بروفايل رصيد تاريخي وثوري، وإما أن يكون سياسي محنك يحقق الإجماع حوله أو يكون ذا مستوى علمي وأكاديمي راق، فما هو "بروفايل" بلخادم الذي لا يتوفر لا على هذا ولا على ذاك، فلا إرث ثوري ولا مستوى علمي، وأما الإجماع فهو لم يحقق حتى لدى أقرب المقربين منه، ولولا الاختباء خلف اسم الرئيس للفظته جبهة التحرير من سنوات، بل لما تمكن حتى من أن يكون أمينا عاما لها، فما بالك بالترشح باسمها. ولننتظر ماذا يكون مصير بلخادم بعدما يعلن عن الحكومة بعد أيام من الآن، وماذا يكون مصير حلمه الذي راوده من عشرين سنة، ألن يتحول إلى كابوس ينغص ليله؟