أنها تؤمن بالعلم في أصدق أصوله، وترتكز على العقيدة في أصفى مبادئها، وتخاطب العقل والقلب معاً، وتثير العاطفة والفكر في وقت واحد، وهي ميزة لم تشاركها فيها حضارة في التاريخ. فمن بين جدران المساجد في بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وغرناطة انطلقت أشعة العلم إلى أنحاء الدنيا قاطبة، والتسامح الديني لم تعرفه حضارة مثل حضارتنا. إن الذي لا يؤمن بدين ولا بإله لا يبدو عجيباً إذا نظر إلى الأديان كلها على حد سواء، وإذا عامل أتباعها بالقسطاس المستقيم، ولكن صاحب الدين الذي يؤمن بأن دينه حق وأن عقيدته أقوم العقائد وأصحها، ثم يتاح له أن يحمل السيف ويفتح المدن، ويجلس على منصة القضاء، ثم لا يحمله إيمانه بدينه، واعتزازه بعقيدته، على أن يجور في الحكم، أوينحرف عن سنن العدالة، أو يحمل الناس على اتباع دينه.. إن رجلاً مثل هذا لعجيب أن يكون في التاريخ، فكيف إذا وجد في التاريخ حضارة قامت على الدين وشادت قواعدها على مبادئها، ثم هي من أشد ما عرف التاريخ تسامحاً وعدالة ورحمة وإنسانية!.