أظهر اللغط الدائر حول مهمة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، أن هذه المهمة رغم أن فرصة نجاحها ضئيلة جدا، تقلق الكثير من الأطراف وخاصة قطر، التي جندت قناتها "الجزيرة" لقيادة حملة ضد الإبراهيمي، محاولة إحداث فتنة بينه وبين أطراف النزاع السوري، وذهبت حتى تحريض أعضاء المجلس الانتقالي السوري ورئيسه عبد الباسط سيدا ضد المبعوث الأممي، لا لشيء إلا لأنه قال إن التنبؤ بسقوط بشار مازال بعيدا. "الجزيرة" وكما شاهدنا على المباشر نصبت نفسها ناطقا باسم "الثوار" السوريين، وراحت تحاول خلط الأوراق حتى قبل أن يباشر الإبراهيمي مهمته الميؤوس منها، لا لشيء، إلا لأن قطر التي وضعت الآن كل إمكانياتها المالية والإعلامية في الأزمة السورية، وتقوم بمد المعارضة السورية بالمال والسلاح، لا تريد حلا سياسيا ولا سلميا للأزمة، بل إنها لا تبحث أن تجد هذه الأزمة حلا في القريب العاجل سقط بشار أم لم يسقط. قطر تلعب ورقة على جانب كبير من الخطورة، إنها تريد حربا طويلة المدى في سوريا، حرب استنزاف لكل إمكانيات سوريا، عسكريا واقتصاديا، إلى أن تصل الأوضاع إلى حد لا يمكن معه قيام قائمة لهذه الدولة. قطر تريد انهيار الدولة الوطنية السورية، وتمهد لانقسام سوريا على أساس طائفي. وهكذا يزول كل تهديد في المنطقة من شأنه أن يشكل خطرا على إسرائيل مستقبلا. لهذا السبب انبرت القناة القطرية تشكك في نوايا المبعوث الأممي الجزائري الأصل، وحاولت أن تنصب نفسها وصيا على السوريين، وتحيل دون فتح أي قناة للحوار بين الاخوة الأعداء في سوريا. ليست قطر وحدها التي لا تريد للإبراهيمي النجاح في مهمته، المملكة السعودية أيضا التي تقوم هي الأخرى بتحريض قناتها "العربية" لنفس الغرض، وبدأت هي الأخرى تصعب من مهمة الرجل محاولة إطالة أمد الأزمة، ليست فقط عقابا للنظام السوري بسبب علاقاته بإيران، بل أيضا بحثا عن تدويل الحرب في الأرض السورية والمملكة التي أصبح يروج لها الآن على أنها مملكة الإنسانية، تريد حربا دولية ضد إيران على الأرض السورية، لأنها تدرك أن إيران ستتدخل إذا ما دخلت قوات دولية في سوريا. ومثلما حاربت السعودية ودول الخليج، إيران سنوات الثمانينات بواسطة صدام حسين والجيش العراقي، ها هي اليوم تحاول فتح جبهات نزاع مع إيران في التراب السوري المفتوح اليوم على كل المخاطر، بسبب تعقد الأزمة واشتداد الأحقاد بين النظام والمعارضة. حرب الخليج في سوريا اليوم، هكذا أسميها لأنها تتم ببروغاندا خليجية وتمويل خليجي، تكمل ما لم يكمله صدام في حربه التي قادها ضد إيران بإيعاز أمريكي سنوات الثمانينات وفشلت، إذ تفكك العراق وأعدم صدام وما زالت إيران قوة إقليمية ترعب النظام الوهابي في منطقة الخليج الفارسي، وبدل أن يكون صراعنا كمسلمين صراعا عربيا إسرائيليا، هاهي أمريكا والاعلام الخليجي يحوله من صراع على القضية الفلسطينية إلى صراع سني- شيعي، لنتآكل فيما بيننا ونتقاتل، ونفرغ أحقادنا وأسلحتنا في وجوه بعضنا، وتضعف اقتصادياتنا، وتنعم إسرائيل بالسلام وبالقدس عاصمة لها، وتنعم أمريكا بثرواتنا، وتقسمها بينها وبين معمرينا السابقين في تقسيم جديد للعالم العربي وثرواته في سايكس بيكو جديد.