من بين الأهداف التي كان يرمي إليها ديغول من وراء استدعاء الم. خروتشيف لزيارة فرنسا التأثير على موقف الحزب الشيوعي الفرنسي إزاء سياسته الداخلية والجزائرية، فهو يريد بتقربه من الزعيم السوفياتي أن يجبر الشيوعيين الفرنسيين على التخفيض من حدة الانتقادات الموجهة إليه في ميدان السياسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسة الجزائرية ولذلك نجد الملاحظين يتساءلون بعد زيارة خروتشيف عن مبلغ التغيير الذي يمكن أن يطرأ على علاقات الشيوعيين بالجنرال ديغول، وهذه مجلة "ديموقراسي 60" الاشتراكية تقدم لنا استنتاجاتها في الموضوع. من الأمور البديهية أن السيد خروتشيف هو زعيم وقائد الشيوعية العالمية، وهذه الحقيقة البديهية تذكرنا بواقع فرنسي ملموس وهو أن الحزب الشيوعي الفرنسي وزعماءه يتوقف نشاطهم واتجاههم على التعليمات الصادرة عن زعيم الشيوعية العالمية، وإذا كانت هذه التعليمات تغيرت عما كانت عليه في عهد ستالين، فإن تغييرها ظاهري فقط، إذا أن الارتباط بين الإثنين لم يتغير في الجوهر ونحن نعتني بتصرفات وسيرة الزعيم السوفياتي في تنقلاته داخل فرنسا لاعتقادنابأنها ستترك تأثيرها على الحزب الشيوعي الفرنسي، ولعل هذا ما يترجاه حزب الجنرال ديغول من زيارة خروتشيف إلى فرنسا فهو يتمنى أن ينجر عن تقارب رئيس الدولتين انخفاض في درجة الضغط الداخلي الذي يعانيه ديغول من سياسة الحزب الشيوعي الفرنسي. هذا وأن الذين لا يعرفون الحزب الشيوعي من اليمينيين وأنصار ديغول يتوقعون أن يتغير موقف هذا الحزب بسبب الحفاوة التي استقبل بها خروتشيف، أن يتغير في ميدانين اثنين: في ميدان القضية الجزائرية التي تحتل المكانة الأولى في سياسة الدولة الفرنسية، وفي ميدان العلاقات مع رئيس الدولة الذي إن لم يكن في حاجة إلى عطف الحزب الشيوعي فإنه في حاجة على الأقل إلى تفهمه الحيادي. ولهذا يتعين علينا أن ندرس موقف خروتشيف في الموضوع الأول قبل كل شيء، لقد برهن الزعيم السوفياتي في قضية الجزائر عن حكمته ومهارته، فأكد من جديد موافقته وتأييده لسياسة 16 سبتمبر فقط وأكد مناهضته المبدئية للنظام الاستعماري، وبذلك يكون قد جمع بين ترضية فرنسا الرسمية والشعوب المتحررة. ولكننا عندما ننظر من قريب نجد أن خروتشيف لم يأت بجديد في هذا الموضوع، إذ أن سياسة تقرير المصير نالت موافقة الجبهة والعالم العربي في آن واحد والم، خروتشيف يعلم عندما يتخذ ذلك الموقف أن جميع الناس متفقون في المبدإ، خاصة وأن هذا المبدأ يتلاءم مع القواعد الديمقراطية ولكنهم يفهمونه مفاهيم مختلفة متضاربة. وفي الواقع كان من واجب الرسميين الفرنسيين الذين يتبجحون بتأييد خروتشيف لسياسة ديغول وتصريحاته إزاء الجزائر كان من واجبهم أن يدركوا أن الزعيم السوفياتي لم يعلن موافقته إلا على المفهوم الذي وافق عليه العالم العربي من هذه السياسة، ذلك أن خروتشيف ليس كما يتصوره بعض الأغبياء ليس من أولئك الساسة الذين يستجيبون لابتسامات رئيس الجمعية الفرنسية الروسية أو رئيس المجلس الوطني الفرنسي فيضحي بعطف ومصالح مجموعة الشعوب الإفريقية الآسيوية من أجل بعض الخلافات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين الدول الأوروبية الاستعمارية. وخلاصة القول أن الحزب الشيوعي لا يرتجى منه أدنى تغيير في ميدان السياسة الجزائرية وله حرية المناورة داخل إطار معين وهو موافقة خروتشيف على مبدأ تقرير المصير. وأما الميدان الثاني فهو موقف الحزب الشيوعي من شخصية الجنرال ديغول، هل بقيت له في هذا الميدان أيضا حرية المناورة، إننا لا نعتقد ذلك بعد كل عبارات الإعجاب والود التي نطق بها زعيم الشيوعية العالمية إزاء رئيس الدولة الفرنسية، ونحن لا ننسى عندما نقول هذا إن العبرة ليس بالألفاظ المعسولة واللباقة الديبلوماسية وإنما بالنتائج الملموسة في المفاوضات السياسية التي نجهلها مع الأسف لحد الآن، ولكن هذا لا ينفي أن رئيس الوزارة السوفياتية أطنب في الاطراء بوطنية الجنرال ديغول ووفائه للمصالح الفرنسية البحتة، وهذا بطبيعة الحال من شأنه أن يمنع الحزب الشيوعي الفرنسي من تجديد هجماته السابقة واتهاماته ضد شخص الجنرال ديغول تلك الإتهامات التي كان لها أثر في بعض الأوساط الشعبية بالرغم من عنفها. وهكذا فإنه يصير من الصعب على الحزب الشيوعي الفرنسي في المستقبل أن يصف الجنرال ديغول بالديكتاتورية وأن يتهمه باتباع سياسة منافية للمصالح الوطنية الفرنسية، بل أنه سيكون من العسير عليه أن يوجه الشتائم إلى بعض الرأسماليين من نوع بوساك الذين أصبحت تربطهم بزعيم الشيوعية العالمية روابط ودية للغاية. لهذا فإننا نتصور التمرينات الرياضة التي تجري داخل الحزب الشيوعي ليكون موقفه من ديغول منسجما في المستقبل مع عبارات الود التي صدرت عن خروتشيف، ولكننا نعتقد من ناحية أخرى أن التعايش السلمي بين الحزب الشيوعي والجنرال ديغول سيكون قصير المدة إذا تبين في مؤتمر الأقطاب القادم أن شهر العسل بين خروتشيف وديغول لم يؤد إلى نتيجة مرضية بالنسبة لروسيا.