تكون الأمومة حلم النساء عادة، فكل امرأة متزوجة تترقب بفارغ الصبر اللحظة التي ستصبح فيها أما تحضن طفلها، لكن قد يتحول هذا الحلم إلى كابوس تهرب منه المرأة وقد يصير الطفل عامل تفرقة بين الزوجين ووسيلة لدمار الأسرة بدل أن يكون عامل جمع بينهما، فقد يحدث أن تتخلى الأم عن حلم الأمومة وترفض الإنجاب.. لكن لماذا؟ مع تطور الحياة وتعقيداتها التي فرضت على المرأة أدوارا إضافية لم تكن من قبل ضرورية، حيث صارت المرأة تعمل وتدرس ولها طموحات مثلها مثل الرجل، وهي الطموحات التي عادة لا يتفهمها الزوج والمحيط الاجتماعي للمرأة، حيث تبقى في نظر المجتمع وظيفتها الأساسية هي الإنجاب وتربية الأبناء. وإذا أضفنا التكاليف الاقتصادية ومتطلبات الجديدة لتربية الأبناء من حضانة وتمدرس و رعاية صحية وثقافية واجتماعية قد يتحول الإنجاب في نظر الكثيرات إلى جحيم. قد يبدو أمرا مستعصيا على الفهم والتصديق وحتى القبول لكن يظل واقعا موجودا فرضته التغييرات الاجتماعية التي عرفها المجتمع الجزائري، خاصة لدى المتزوجين حديثا من فئة الشباب. تعلّق كريمة (26 عاماً): “إذا أنجبت طفلاً قد تتحطم حياتي.. والدتي لا تعيش في المكان نفسه الذي أسكن فيه، وحماتي مسنة ولا يمكنها تحمل الأطفال وأنا لا أتصور طفلي في حوزة امرأة أخرى، فكلنا يعلم مدى النتائج العكسية على الأبناء عندما لا يكونون مع أمهم”، مضيفة.. “كلما فكرت بالإنجاب أتخيّل طفلي يبكي ويعاني وأنا بعيدة عنه، ومن جهة أخرى لا أستطيع أخذ عطلة من عملي أوالاستقالة لأن ظروفي المادية لا تسمح لي بذلك”. فريال، التي تزوجت قبل أربع سنوات، مازالت هي الأخرى تؤجل فكرة الإنجاب لأن زوجها لا يتحمل أي مسؤولية فهو عصبيّ جداً وأبعد ما يكون عن تحمل مسؤولية طفل، وهي ليست مستعدة لتحمل كل الأعباء لوحدها”. وإن كانت الأسباب مختلفة لكن النتيجة واحدة، حورية التي تستعد لدخول عقدها الثالث، تقول إنها طالما حلمت أن تكون أما لطفل لكنها اصطدمت بظروف زوجها الذي لا يملكك عملا مستقرا ولا بيتا، فهي تعيش في شقة تدفع إيجارها الشهري بعشرين ألف دج فضلا عن مصاريف أخرى، ما يجعل إنجاب طفل في هذه الظروف كارثة مالية حقيقية.. فهي لا تتصور نفسها تُرزق بطفل لهذا العالم ثم تحرمه من متطلبات الحياة. بينما ترى صديقتها سهام أن إنجاب طفل ليس مطروحا في تفكيرها على الأقل في الوقت الحالي قبل أن تحقق كل ما تطمح إليه وتحقيق نفسها في الحياة، قائلة “أرغب في مواصلة دراستي والسفر ورؤية العالم قبل أن أربط حياتي بطفل يكون علي أن أضع نفسي تحت تصرفه وتلبية كل طلباته”. يرى بعض علماء النفس أن “رفض بعض النساء لفكرة الإنجاب يدخل في سياق أمراض اجتماعية ونفسية ناتجة عن عدم تحمّل المسؤولية، كما قد يكون نتيجة ضغوط الحياة خاصة المالية منها، أواستقالة الأزواج من أدوارهم، خاصة أن الحياة العصرية قد أضافت للمرأة أعباء جديدة عادة لا تختارها المرأة لكنها تفرض عليها لمواجهة ظروف الحياة، حيث صار العمل خارج البيت إلزاما وليس اختيارا أوترفا للنساء، ولكن رغم هذا يبقى رفض الأمومة و التنازل على حلم الإنجاب قلة واستثناء بين النساء عادة ما يكون بين سيدات الأعمال أو نساء الطبقات الوظيفية العليا.. لأن غريزة الأمومة متجذرة في كل النساء بلا استثناء.