تعتنق العديد من النساء في المجتمع الجزائري فكرة مفادها أن إنجاب الكثير من الأطفال هو الحبل الذي من شأنه أن يربط الزوج بأسرته مهما ساءت الأحوال بين الطرفين، وهذه الفكرة المتوارثة لقيت التأييد من طرف عدة دراسات أكدت أنه كلما ازداد عدد الأطفال قلت نسب الطلاق، وهو ما يفسره بعض المختصين الاجتماعيين لأسباب اجتماعية وثقافية سائدة لا تمت بأية صلة لوضع العلاقة الزوجية أو متانتها.. لكن كثرة حالات الطلاق في المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة بشهادة العديد من رجال القانون تستوقفنا لطرح السؤال: هل مازال لهذا الاعتقاد دور في التصدي لعواصف الانفصال الزوجي التي أصبحت تستهدف آلاف البيوت سنويا؟ الزواج.. ارتباط عاطفي نفسي وفكري وجنسي بين طرفين.. إلا أنه كثيرا ما يتحول إلى نكد عندما لا يحصل التوافق الزواجي، ومنه ينقطع حبل الرابطة الزوجية عندما تصل العلاقة إلى نفق مسدود، ليكون الأطفال الخاسر الأكبر في القضية، فارتفاع حالات الطلاق في المجتمع الجزائري - كما يجمع عليه بعض رجال القانون - يسقط تبعات غضب الكبار على الأطفال الذين يفقدون حقهم الطبيعي في العيش مع آبائهم وأمهاتهم تحت سقف واحد.. هو حق يموت تحت تأثير نزعة ''تصفية الحسابات'' بين الأزواج أو التنافر الذي قد يرتبط بعوامل مختلفة. وبناء عليه فإن الخاسر الأكبر في أية حالة طلاق يكون الأطفال، خاصة وأن رعاية الأطفال بعد طلاق ذويهم تشكل مشكلة صعبة بالنسبة للمحاكم التي تحتار بين أن توكل مسؤولية تربيتهم إلى الآباء أو تسمح للأم بنقلهم إلى الأماكن التي ستقيم فيها. ''المساء'' ناقشت الموضوع مع مجموعة من المحامين بمحكمة عبان رمضان، فكانت هذه المعطيات التي تجمع على أن التغييرات الحاصلة عصفت بالعرف الذي كان يمنع حدوث الطلاق في وجود الأطفال. كثرة الإنجاب ''دقة'' قديمة تقول إحدى المحاميات إن الكثير من الذهنيات السائدة في المجتمع الجزائري تغيرت في السنوات الأخيرة، بحيث لم يعد الأطفال ذلك ''الممهل'' الذي يستوقف مشاعر الغضب ونزعة الانفصال، فالعديد من رجال اليوم يتشبثون بقرار فض الشراكة الزوجية مهما كان عدد الأبناء، خاصة عندما يضعون نصب أعينهم هدف بناء حياة زوجية ثانية، وتضيف محدثة ''المساء''، على ضوء خبرتها المهنية، أن العدول عن قرار الطلاق بسبب الأبناء يشكل حاليا الاستثناء.. ونتيجة ذلك نلمسها في مصالح الأحوال الشخصية بالمحاكم، حيث تطرح عليها حوالي 5 آلاف قضية طلاق سنويا بالتقريب، معظم أسبابها تدخل في خانة التفاهات. وتتابع لتوضح أن الظاهرة مردها إلى نقص الوعي وغياب التكوين حول مسائل الحياة الزوجية وممارسة الأبوة والأمومة، ففي بعض الدول على غرار ماليزيا الزواج مشروط بالشهادة الخاصة بالتكوين حول أساسيات الزواج وتربية الأطفال، مشيرة إلى ضرورة أن نحذو حذو هذا البلد للحد من زحف خراب البيوت. وبحسب زميلتها، فإن العديد من الرجال لا يحملهم وجود الأطفال على العدول عن قرار الطلاق، وهو أمر ينطبق غالبا على الذين تكون نيتهم سيئة منذ بداية الارتباط، حيث تربطهم علاقات مع نساء أخريات خارج الإطار الزوجي، وبذلك لا غرابة في أن يكونوا من الصنف المستهتر الذي لا يهمه مصير الصغار، لكن عندما يتعلق الأمر ببعض الأزواج المتخلقين ممن تضطرهم المشاكل إلى اللجوء إلى العدالة، سرعان ما يطوون ملف الطلاق عندما تصل القضية إلى المرحلة الحاسمة حفاظا على مستقبل الأطفال. وتؤكد خبيرة حقوقية أخرى أن التقاليد التي كانت تكبح جماح ظاهرة الطلاق في وجود الأطفال لم يعد لها تأثير حاليا، فالرجل - غالبا - عندما يقرر قطع حبل الرابطة الزوجية لا يردعه عن ذلك رادع، مما يعني أن المرأة لا يمكنها أن تعتمد على نصيحة الجدات المبنية على نظرية كثرة الإنجاب لطرد فكرة الانفصال من ذهن الرجل في حالة انعدام التوافق الزوجي. لكن لماذا لم يعد وجود الأطفال يقلل من احتمالات حدوث الطلاق.. هل لأن رجل اليوم مستهتر ويفتقر إلى روح المسؤولية أم لأن الحياة مع امرأة العصر صارت محفوفة بالنكد وبعض المشاكل التي تجعل استمرار الحياة الزوجية مستحيلة؟ رجال يحلمون بزواج ثان.. ونساء نكديات يجيب مصدر قضائي آخر أن المسألة تحمل في طياتها كلا الاحتمالين، فمن جهة بعض الرجال لا ينظرون إلى الوراء عندما يتعلق الأمر بامرأة ثانية، بل ينسون الماضي الذي أسسوا بموجبه بيتا زوجيا وأنجبوا أولادا، إنما يلتفتون نحو المستقبل فقط، والذي يعدهم بتحقيق حلم الزوجة الثانية، حتى وإن كانت الزوجة الاولى صالحة.. وفي هذا السياق عالجت المحكمة منذ فترة قضية أم لأربعة أطفال تزوج زوجها ثانية وذهب ليعيش حياة العسل، بينما تركها هي في بيت أهلها لتكابد وأطفالها مرارة الفراق غير المبرر. وبرأي المصدر، فإن بعض الرجال في الوقت الراهن يفتقرون إلى روح المسؤولية، مما يدفعهم إلى إلقاء حمل الواجبات على الزوجة بمجرد أن يعجزوا عن تحمل ضغط المسؤولية الزوجية.. وهذا ما أصبحنا نلمسه في الواقع من خلال ظاهرة الزوجات اللواتي يتحملن أعباء مسؤوليتهن ومسؤولية الرجل في آن واحد، وبموجب ذلك فإنه ليس من الغريب أن يتصرف هذا الصنف من الرجال بمنطق اللامبالاة تجاه الأطفال لمجرد أن يحدث أي سوء تفاهم، خاصة وأن البعض منهم يعتقدون أن المهم هو تأمين نفقة الأبناء فحسب. لكن هذا لا ينفي - يستطرد المصدر القضائي - أن بعض النساء نكديات والحياة معهن لا تطاق، الأمر الذي يدفع بأزواجهن في نهاية المطاف إلى فض الشراكة الزوجية هربا من بؤر المشاكل والضغوطات غير المبررة التي يسببها هذا النوع من النساء. خبيرة حقوقية أخرى شاركت في الموضوع لتقول إن كثرة الإنجاب لربط الزوج بعشه الزوجي وصفة لا تجدي نفعا مع الرجال الذين لديهم ميولات لإقامة علاقات غير شرعية مع الجنس الآخر، بل إن كثرة عدد الأبناء كثيرا ما يكون سببا لإقدام بعض الرجال على التطليق، نظرا لعجزهم عن تحمل ضغط مسؤولية رعايتهم الثقيلة.. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن افتقار بعض الرجال للثقافة القانونية يجعلهم يتساهلون في أمر الطلاق، اعتقادا منهم أن الحضانة تعود للأب أو أنه يمكنهم الظفر بهذا الحق من خلال رفع دعوى قضائية ضد الطليقة.