"في الصالون السابع عشر للكتاب" المنعقد بالعاصمة من 22 إلى 29 سبتمبر 2012، كانت مبيعات "الكتاب التاريخي" على رأس قائمة "الكتب الثقافية" المباعة، وقد نالت دور النشر الفرنسية حصة الأسد من الربح في هذا الميدان، ذلك أن المثقفين الفرنسيين أو غيرهم من الأوروبيين سبقونا بعامين على الأقل في تحضيرات الذكرى الخمسين لاستعادة الجزائر سيادتها. الكثير ممن كان "لآبائه" صلة بجزائر القرنين التاسع عشر والعشرين، كتب عن سيرهم ومناقبهم، أما "الأحياء" الذين ولدوا في الجزائر أو عاشوا فيها ويلات الاستعمار، فقد ملأوا المكتبات بمذكراتهم أو بحوثهم إن كانوا مؤرخين أو دارسين لأوضاع الجزائر المستعمرة بفتح الميم. الناشرون الفرنسيون هم الآخرون يعرفون من أين تؤكل الكتف، فالذكرى الخمسون لاستقلال الجزائر، فرصة كبيرة من الناحية التجارية. حتى أولئك المهددون بالإفلاس عولوا عليها لاستعادة مجدهم... المالي! في "الأجنحة الوطنية" كان الحظ كبيرا كذلك بالنسبة للناشرين الجزائريين، الذين طبعوا كتب التاريخ أو مذكرات بعض المجاهدين أو أعادوا طبع كتابات الفرنسيين والجزائريين عن الفترة الممتدة من 1830 إلى 1962، غير أن "الحظوة" الكبيرة هنا، كانت أيضا حليفة الناشرين والكتاب الذين نشروا أو ألفوا باللغة الفرنسية! شيء لا يفاجئ القارئ أو المتتبع لما ينشر ويكتب ويباع في الجزائر منذ استقلالها، لاسيما وقد مات أو شاخ أغلب "صناع ثورتنا المعربين"، وقل المؤرخون المعربون بعد جيل الدكتور أبي القاسم سعد الله، وغيره ممن كانوا أندادا لزملائهم ذوي "القلم الفرنسي" داخل الجزائر وخارجها. ومادمنا نتكلم عن "رحلة الكتاب الجزائري" عموما، فإننا نترك لمؤرخينا الجدد، لاسيما الشباب منهم، مهمة دراسة هذه "الوضعية الحرجة" ومهمة تصحيحها للحاق بالركب. مقابل "كتب التاريخ وثورة نوفمبر الكبرى"، مازال "الكتاب الديني" يحظى بجمهور كبير، وإن لاحظ الخبراء والصحفيون أن زبائنه تراجعوا نسبيا عن "زحمة السنوات الماضية". لقد تضاءل عدد مؤلفيه وناشريه في الجزائر، كما تراجع "ناشرو المشرق العربي" عن "الإكثار من جلبه للجزائر" لأسباب كثيرة، أغلبها سياسي وتجاري (المجلدات البراقة أصبحت غالية الثمن). كتب الآداب والفكر والثقافة العامة عرفت هذا العام "بعض الجديد" في الرواج، وإن مازالت مبيعاتها بعيدة عن تلك التي تحظى بها "الكتب المفيدة"، وكتب التاريخ ومؤلفات الدين، لاسيما الفقهية - التراثية منها. لماذا؟ سنواصل ملاحظاتنا وتساؤلاتنا في مقالنا القادم. يتبع...