محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرح في الجزائر.. بين التحولات والتحريم
نشر في الفجر يوم 28 - 10 - 2012


التحولات
ابتداء من سنة 1888 أو ما يعرف في الجزائر ب”أحداث أكتوبر”، انتعشت العروض والنصوص المسرحية، وصار التحول من فكرة الخطاب السياسي الديماغوجي إلى فكرة المسرح التجريبي بديلا عن نمط مسرحي طال أمده وحركته أوضاع سياسية واجتماعية معينة، إذ إن التجريب إصرار على الفعل المسرحي البديل الذي يحدّث اللغة والرؤيا والذوق والصورة والحركة بممارسة لا تعطي الاعتبار إلا للجماعة باعتبارها وعياً يحقق وجوده في العمل الجمعي، وفي المشاركة الجماعية المنتجة في تكوين عمل جماعي يلغي ديكتاتورية المؤلف/ النص الأدبي، ويلغي المخرج / نص العرض؛ ليعطي لكل عناصر الفرجة إبداعيتها وحيويتها وشفافيتها” (1)
فحوى هذا القول أن المسرح قد أضحى بحثا جربت فيه جماليات جديدة، وظهر نوع جديد من الأداء المسرحي الآخر، قد يخرج المسرح من الدوامة والحلقة المفرغة التي ظل يدور فيها.
مست هذه النزعة التجريبية الجديدة بالدرجة الأولى المخرجين، الأمر الذي جعل بعض أعمالهم غارقة في الغموض والرمزية وبعض التشفيرات والطلاسم التي من الصعب أحيانا فكّها، كما أن النصوص المسرحية التي عرضت تبرز حقيقة لا مجال من إنكارها. وتشكل مرحلة التسعينات وبدايات الألفية فتوحات لنهايات القرن العشرين، ومظهرا حادا لإشكالية الاتفاق والاختلاف ورفع التحدي.
ومع التعددية الحزبية والتفتح السياسي، التي كانت بداية التسعينات مسرحا له، بدأ المسرح الجزائري، يبتعد عن البريختية وينسلخ منها ليأخذ بمنهج مسرحي جديد، يمكن تسميته بالمنهج الاجتماعي النقدي، غير أن النقد انصب على المرحلة السابقة فحسب ”أي السبعينات” كأن المسرح الجزائري ينقد نفسه، فراح ينقد البيروقراطية والمحسوبية، وأزمة السكن، وكلها من إفرازات النمط الاشتراكي الذي كان ينادي به، هل هو نوع من النقد الذاتي؟
يرى الصحفي المسرحي محمد كالي أن المسرح في بداية التسعينيات أصبح يتيما غريبا عن مجتمعه. وسيظل كذلك أكثر فأكثر في منتصف العشرية الحالكة حين فقد أهم رواده على شاكلة مصطفى كاتب الذي انسحب في نهاية أكتوبر 1989، وذلك بعد أن شكلت عودته لإدارة المسرح الوطني شهورا قبل ذلك؛ إزعاجا لمطامح ريادة معارضة للمسرح، ولم يعد ليزعج أحدا بوفاته.
وقد صادفت وفاته رحيل الكاتب والمبدع كاتب ياسين، وبعدهما ضياع الشخصية الثالثة عبد المالك بوقرموح الذي كان مديرا على المسرح الجهوي ببجاية، كما كان بمثابة الأمل العريض للإخراج الأكاديمي في الجزائر، اختطفته المنية على إثر حادث مرور مفجع، ذلك أنه كان أول أربعة مخرجين جزائريين الذين استفادوا من تكوين أكاديمي، وكان قد بدأ علاقة جديدة مع النص الدرامي في الكتابة الإخراجية.(2)
كانت نهاية مرحلة؛ مرحلة حيث كان الموت الطبيعي فيها لا يزال ممكنا، وأمام مصاب الجزائر الجلل رفض عبد القادر علولة الهجرة، بالرغم من التهديدات التي كانت تترصده وبالرغم من التسهيلات التي كان زملاؤه في الخارج يعرضونها عليه، إلا أنه رفض عروضهم وراح يقدم مسرحية ”آرلوكان خادم السيدين” التي عدّها البعض بمثابة إنكار لخطته الفنية والتزامه السياسي. لكنه ردّ على أسئلة الصحفيين، معتبرا هذا العمل مروحا لعواطف الشباب، لكن حول مسائل أساسية وجوهرية ”نريد اليوم في بلدنا المنهك والترويح بالارتكاز على مسائل جوهرية للحب، مسائل القلب لاقتراح مجالات أخرى للتفكير، العمل ليس ترويحا من أجل الترويح، اليوم يريد شبابنا الحديث عن الحب وهم بحاجة كي نكلمهم عنه”.(3)
رحل علولة مغتالا سنة 1994، ليلحقه بعد سنة من ذلك الفنان المبدع عز الدين مجوبي، وكان قد أمضى شهرا مديرا على المسرح الوطني على الرغم من أن عددا من أصدقائه كان قد أشار عليه بعدم قبول هذه المسؤولية المدججة بالخطر الداهم، بينما كان الراحل يفكر عكسهم، وكان يرى ضرورة إنقاذ مؤسسات الدولة ومن ضمنها المسرح الجزائري. مع العلم أن مغامرة ”قرار الاستقلالية” لمسرح القلعة كانت قد خلفت لديه مرارة لم يستسغها، لذلك كان يرى هذا المنصب ضروريا علّه يسعفه في إحداث التغيير من الداخل...
بالرغم من أحداث الاغتيالات والتقتيل التي طالت بعض رجال المسرح إلا أن بعضهم بقي صامدا، وكدليل على ذلك أقيم مهرجان باتنة في ظروف أمنية مشددة وعلى وقع الرشاشات ومختلف الأسلحة، حفاظا منهم على مسرح الدولة. ومثلما كانت مسرحية ”يوميات مجنون” لغوغول تعرض دائما وفق رؤى إخراجية متنوعة، فإن البعض الآخر انهال على مسرحية” غناء النورس” لتشيكوف فكانت هي الأكثر اقتباسا في المسرح الجزائري في هذه الفترة.(4)
رحلت الكثير من شخصيات المسرح الجزائري خلال العشرية السوداء الواحد تلو الآخر؛ فمن ولد عبد الرحمن كاكي إلى رويشد وعلال المحب والطيب أبو الحسن وبن عبد الحليم الجيلالي، وعصمان فتحي، وباشا علي علال وسيراط بومدين ومخوخ بوبكر. وما ميّز هذه المرحلة هو تقريبا انعدام الإنتاج المسرحي نظرا للظروف السياسية التي شهدتها الجزائر، مما جعل الكثيرين يتركون الخشبة ويهاجرون بحثا عن فضاءات جديدة، إضافة إلى عدم توافد الجمهور إلى القاعات. وبالرغم من ذلك، توالت جهود أبناء الخشبة لكسر هذا الوضع وإيصال أصواتهم إلى الجمهور.
حيث بدأ بعض صناع المسرح في الجزائر يهجرون القطاع العام ويتجهون إلى القطاع الخاص وإنشاء تعاونيات مسرحية مثل : ”مسرح القلعة” بالجزائر العاصمة وهي أول محاولة للانفصال عن مسرح القطاع العام سنة 1989، أسست بعد عودة مصطفى كاتب بصفته مديرا للمسرح الوطني الجزائري من طرف أمحمد بن قطاف، وزياني شريف عياد، وعز الدين مجوبي، وصونيا ميكو، إضافة إلى التقني سيد علي العياشي (المتوفي). حيث قدمت فرقة القلعة بعض العروض الفارقة منها مونودراما ”فاطمة” ومسرحية ”العيطة” التي تحصلت على أحسن عرض متكامل في مهرجان قرطاج الدولي سنة 1989، لكنها حجبت عن العرض بولاية مسيلة سنة 1990، على إثر التهديد الهاتفي الذي تلقته الجمعية المنظمة.5
وانفصلت في الفترة نفسها فرقة ”المسرح الجديد” التي انفصلت بدورها عن مؤسسة مسرح عنابة الجهوي؛ إذ تتكون الفرقة من حميد قوري، والمرحوم توفيق ميميش، والموسيقي رشيد والتشكيلي لوامي عبد الوهاب، حيث كان مقرها بدار ثقافة عنابة - مكان اغتيال الرئيس محمد بوضياف- حيث قدمت مجموعة من الأعمال منها ( كلاندو بزار، ابولو كوسكوس..) . هذا علاوة على انفصال تعاونية ”أول ماي” عن مؤسسة مسرح وهران الجهوي، برئاسة عبدالقادر علولة وعضوية كل من سيراط بومدين، وحيمور محمد وآخرين.
التحريم
لقد أثرت الأحداث الدموية والانفلات الأمني الذي شهدته الجزائر أيّما تأثير في أسرة وأوساط أبي الفنون، الأمر الذي جعل صناع العرض المسرحي يتحولون إلى مجرد متفرجين في قاعات المسرح، قاعات استحوذ عليها السياسيون بضراوة شديدة ليحتلوا المشهد السياسي، كما توجه المسرحيون للعمل في فضاءات أخرى مثل المراكز الثقافية الفرنسية. ويبقى للتاريخ أن يسجل أنه بالرغم من اغتيال كل من المرحومين عبدالقادر علولة وعز الدين مجوبي، لم تعاني الجزائر من ظاهرة تحريم المسرح والتمثيل، ورفضه بصفته مؤثرا غربيا على حد تعبير علي عواد. وتجدر الإشارة إلى أن هناك من كان يرى العكس تماما مثل الباحث مختار عثماني الذي قال في محاضرة له بعنوان: المسرح الهاوي بالجزائر، قدمها خلال فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف 2006، الإسلاموية السياسية تخنق حرية التعبير المسرحية وتخلق الرعب.
بقلم عبدالناصر خلاف
([email protected])

1 عبد الرحمن بن زيدان، خطاب التجريب في المسرح العربي، مطبعة سندي / مكناس، المغرب، (د.ت)، ص 8.
رحلت الكثير من شخصيات المسرح الجزائري خلال العشرية السوداء الواحد تلو الآخر؛ فمن ولد عبد الرحمن كاكي إلى رويشد وعلال المحب والطيب أبو الحسن وبن عبد الحليم الجيلالي، وعصمان فتحي، وباشا علي علال وسيراط بومدين ومخوخ بوبكر.
وما ميّز هذه المرحلة هو تقريبا انعدام الإنتاج المسرحي نظرا للظروف السياسية التي شهدتها الجزائر، مما جعل الكثيرين يتركون الخشبة ويهاجرون بحثا عن فضاءات جديدة،
2Voir Mohamed Kali,Théatre Algérien La fin d'un malentendu, Editions Ministère de la culture,Alger 2005, p 19,20.
3 Voir Mohamed Kali, Théàtre Algérien La fin d'un malentendu, p 20.
4 Voir Mohamed Kali, Théàtre Algérien La fin d'un malentendu, op cit, p 22.
Voir, ibid, p 145
مسرح ما بعد الأزمة..؟
نبيل حاجي صحفي وناقد
لا يمكن الحديث عن المسرح في الجزائر مابعد الأزمة الأمنية أو ”العشرية السوداء” دون التطرق ولو في عجالة عن حال الممارسة أو المشهد المسرحي خلال تسعينات القرن الماضي، من خلال الوقوف على مجموعة من الحالات التي يمكن أن رسمت الوضع العام لتلك الفترة التي عرفت مجموعة من التحولات؛ منها تحرر الممارسة المسرحية من قيود المؤسسات الرسمية وظهور عدد كبير من الفرق والتعاونيات المستقلة التي ساهمت في فترة وجيزة من تغيير ملامح المسرح الممارس والمقدم من طرف مسرح المؤسسات الرسمية ونعني المسارح الجهوية..
لكن هذه ”النهضة” لم تدم طويلا نتيجة تصاعد خطاب الإسلام السياسي، ثم دخول الجزائر في دوامة العنف الذي استهدف الكثير من النخب من صحفيين ومثقفين ورجالات المسرح، حيث طالت عمليات الاغتيالات الوجوه المسرحية على غرار المرحومين عبد القادر علولة وعزالدين مجوبي الذي كان له الأثر الكبير في نفوس ووجدان الكثير من العاملين في الحقل الفني ودفعهم إلى التخفي والهجرة فيما بعد نحو وجهات وبلدان مختلفة منها فرنسا ..هذا الوضع حال دون استمرار ”مسرح الديمقراطية” الذي ابتدأ من مطلع التسعينات من خلال مجموعة من العروض المستقلة والحرة على غرار تجربة ”مسرح القلعة” وفرق أخرى .. كما عرفت هذه المرحلة الحرجة والحساسة توقف شبه تام لأغلب المسارح الجهوية عن النشاط أو إنتاج عروض جديدة أو استقبال عروض فنية ...وأغلقت فيما بعد قصد الترميم والتأهيل (المسرح الوطني الجزائري، مسرح قسنطينة..) في الوقت الذي ظلت فيه الكثير من الفرق الهاوية في الجزائر العميقة تقدم أعمال متحدية كل حسب طريقته الوضع العام الذي مرت به البلاد وتقديم الفرجة للجماهير من خلال تعرية الوضع الاجتماعي والسياسي السائد، ولم يتوقف مهرجان مستغانم عن استقبال العروض المسرحية...التي شكلت حالة يمكن أن نطلق عليها ”مسرح المقاومة”...كما عرفت هذه الفترة ظهور العيديد من العروض الأوبرالية و الملاحم التي ساهم في إنتاجها الديوان الوطني للثقافة والإعلام منها ”نوبة في الأندلس” لفوزية أيت الحاج وأوبرات ”قال الشهيد” عن شخصية علي معاشي ...وغيرها. وعرفت مرحلة 2000 - 2005 التي جاءت بعد سنوات قاتمة، واستقرار نسبي للوضع الأمني من عودة محتشمة للحراك المسرحي ساهمت في تفعيله مجموعة من العناصر منها تظاهرة ”ألفية الجزائر بني مزغنة”.. من خلال دائرة المسرح والسينما والتي ساهمت في تمويل ودعم مجموعة من العروض المسرحية منها ”ليلية طلاق” لصونيا ورشيد فارس و”مايبقى في الواد خير حجارو” لدليلة حليلو و عرض ”الفالطة” ...”حضرية والحواس” لصونيا ومصطفى عياد...ثم جاء إعادة فتح المسرح الوطني الجزائري وتسميته ب”محي الدين بشطارزي” عام 2001، في تحريك عجلة الإنتاج المسرحي الذي ظل متوقفا لسنوات ثم تنظيم هذه المؤسسة بالتعاون مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام للشهر المسرحي الذي عرف تقديم العديد من العروض التابعة لبعض المسارح الجهوية والفرق الهاوية...
كما عرفت تظاهرة ”سنة الجزائر في فرنسا 2003” دعم العديد من العروض المسرحية من أبرزها النسخة الثانية لمسرحية ”الشهداء يعودون هذا الأسبوع” لزياني شريف عياد، وعرض ”ليالي امرأة آرق” عن نص لرشيد بوجدرة....وأيضا استقبال عدد من العروض الأجنبية في إطار ”نصف الشهر المسرحي”..كما ساهم صندوق دعم الإبداع التابع لوزارة الثقافة في دعم العديد من العروض المنتجة من طرف فرق وتعاونيات مسرحية مختلفة، وعرفت هذه المرحلة إنتاج العديد من العروض من أبرزها عرض”التمرين” لمحمد بن قطاف الذي مولته مؤسسة التلفزيون الجزائري.
أما المرحلة الثانية التي تنحصر مابين 2006 إلى اليوم فعرفت عودة المهرجان الوطني للمسرح المحترف عام 2006 بشكل منتظم ومستقر في العاصمة بعد يعد ترحاله في أكثر من مدينة وتعيين المسرحي أمحمد بن قطاف على رأس إدارة المسرح الجزائري الذي عين محافظا للمهرجان منذ هذه الفترة وما عرفته كل دورة من فعاليات مسرحية مختلفة، لكن من الناحية الإنتاجية يمكن إعتبار تظاهرة ”الجزائر عاصمة للثقافة العربية عام 2007 بداية حقيقة لإنتاج عدد أكبر من العروض المسرحية داخل المؤسسات الحكومية المسرحية (المسارح الجهوية) وأيضا من طرف فرق وتعاونيات مسرحية مختلفة ومنذ هذا التاريخ زاد عدد الإنتاج المسرحي سنويا ودعمتها مختلف التظاهرات الثقافية الكبرى على غرار ..المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني 2009، وتظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية 2011 وفي انتظار ما سينتج خلال الاحتفلات بخمسينة استقلال الجزائر 2012...
بقدرما ساهمت هذه التظاهرات في ”دمقرطة” الممارسة المسرحية في الجزائر نوعا ما وتوسعها في المساحة البشرية والجغرافية، وسمحت بظهور العديد من الوجوه والأسماء الشابة في التمثيل والإخراج والسنوغرافيا والموسيقى و غيرها...(أمام عدم قدرة الجيل السابق من الرقي بالتجربة المسرحية الجزائرية وتقديم مقترحات جديدة تتعاطى مع الراهن الجمالي والموضوعي) إلا أن مبدأ التظاهرة التي ساهمت في تمويل أغلب العروض قيد الكثيرين من أصحاب العروض في زوايا مغلقة (طبيعة التظاهرة) دون الحديث عن الإستعجالية التي لم تترك الكثير من الوقت لنضج التجارب المقترحة، وهذه المناسباتية خلقت مسرح ظرفي يموت مع التظاهرة ذاتها..من أما من ناحية الشكل الفني والمقترح الفرجوي فقد ساد في أغلب العروض الاجترار والتجريب الذي يستند إلى خلفية فكرية وجمالية قوية..فيما تسببت البحبوحة المالية من تغييب العمل الصادق والمبدع ولم تخلق أغلب الانتاجات الاستثناء ”الجمالي أو الفكري” وظلت محصورة محليا في مقترحات تعيد صياغة منجز الماضي (أعيدت الكثير من مسرحات تعود إلى فترة السبعينات والثمانينات) في الوقت الذي غاب النقاش النقدي بين النخبة المسرحية الجزائرية، وتم تسجيل تراجع خطير للممارسة النقدية الجادة عبر الوسائط الإعلامية المتاحة وحظرت بقوة المجاملات بين وسائل الإعلام والمعنيين بصناعة العروض المسرحية.
المسرح الجزائري مابعد الأزمة خلق حالة من الهوة بين جيل وآخر، والمتمعن للممارسة المسرحية في الجزائر خلال عقدين من الزمن مايزال - حسب اعتقادي- في رحلة بحث عن روح ونفس جديد ومقترح يرتقي بالرصيد المحقق سابقا، في ظل وجود طاقات مبدعة ومجددة لم تسمح لها الظروف والمناخ الثقافي الصحي من البروز والتميز والمساهمة في إثراء المسرح الجزائري المعاصر.
عندنا... المسرح فعل غباء
”مخرج مسرحية اليوم، يمارس مسرحه كفعل غباء وليس العكس” جملة صفع بها أحد المسرحيين المغاربة جمعا من الشباب عندما سألوه عن مسرحية عرضت في إطار المنافسة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح المحترف.. فكان عزاء هؤلاء الشباب أن المسرحية لفرقة حرة وليس مسرحا محترفا ونسوا أن مخرجهم مارس الاحتراف أداء وادعاء.
المسرح فعل غباء... مربط فرس كرمنا في التعاطي بسذاجة مع هذا الفن شكلا ومضمونا والذي يعتبره كبار المفكرين والأدباء والفلاسفة، الفعل التبسيطي الأذكى للفلسفة، وإن اتهم جان جاك روسو، فولتير بتبديد مواهبه في كتابة المسرحيات ونبزه بلقب ”العبقري السامي ذي النفس الوضيعة”. وهنا لا يصح إلا التساؤل، هل يعي مسرحيونا الدور الوظيفي للمسرح، وهل يدركون ما للوعي من سلطة وما للمسرح من سلطة في صناعة الوعي وما للمسرحي من حكم على أذهان المتلقي ولو لمدة العرض فقط. وقد قال أحد الحكماء أن الحكمة إذا لم تكن حاكمة لا يعول عليها، فأين هي الحكمة في مسرحنا؟ أو بالأحرى أين هي الحكمة من مسرحنا؟ فبتشريح بسيط لواقع الفعل المسرحي في الجزائر نجد مثلا، عروضا مسرحية اجتماعية دون بحث أو دراية بعلم الاجتماع، مسرحيات سيكولوجية ولا المخرج ولا المؤدون يفقهون شيئا من علم النفس، مسرحيات ايديولوجية ولا هم يفرقون على سبيل المثال بين اليسار واليمين، وقد قدم بعضهم عروضا نصرة للقضية الفلسطينية، لم نجن منها إلا خروج ضيوفنا الفلسطينيين عابسي الأوجه، متسائلين عما إذا كان فعلا من الجزائريين من لا يفقهون من القضية الفلسطينية حتى قشورها، وكانت النتيجة بهتان الموضوع المطروح للتأمل وغياب القيم الجمالية التي ارتبطت في القرن الثامن عشر في ألمانيا بالقيم الأخلاقية في العروض خاصة مع تجربة فريدريك شلر، وغابت عندنا في زمننا هذا لغياب الفكرة والفكر الذي قد يحتويها. ربما هذا هو فعل الغباء وحكمة تدمير الوعي التي لوح بها ضيفنا المغربي. وهنا أيضا سؤال آخر افتزازي يقفز للعلن، هل يملك هؤلاء المسرحيون توجها مهما كان فكريا أو إيديولوجيا أو على الأقل فكرة ما يدافعون عنها فيما يقدمون من أعمال؟ ربما، إذا كانت الفكرة لا تخرج عن كوكب ”الشعب حاب يضحك ويديفولي” ولو بطريقة ساذجة ساقطة في كثير من الأحيان والعهدة في هذا على ما يقدم مثلا في مهرجان المسرح الفكاهي بالمدية، وهنا نستنتج أسباب ضعف ونمطية وسذاجة مواضيع ومضامين غالبية منتجاتنا المسرحية فلا حكمة من مسرحنا ولا حكمة في مسرحنا، اللهم إلا بعض التجارب التي لا يمكن نفيها أو تغييبها والتي تعكس مدى وعي القائمين عليها بدورهم ودور فنهم وسلطة ما يقدمونه من وعي من جهة وتمكنا من التقنية اللازمة للتحكم في عناصر العرض المسرحي، ولنقل آليات التعامل مع المنتج الفني كعلم وليس فنا فقط، إلا أنهم يبقون قلة قليلة ضاعت في غوغاء الكم الهائل الذي يروج للغباء والقلة القليلة شاذة تؤخذ ولا يقاس عليها.
في كل هذا يقول الكثيرون من المسرحيين إن البحبوحة المالية الكبرى التي تعرفها المؤسسات المسرحية الآن لم تكن بردا وسلاما على هذا الفن الراقي وهي التي جلبت إليه الكثير من التجار ولعبت الدور الرئيسي في إفساد أخلاق الكثير منهم في تعاملهم مع المسرح أو افساد أخلاق مسرحهم ارتكازا على ما قاله المرحوم قاسم محمد ”للمسرح أخلاق، ويكفي أن تعرف أخلاق مسرحك الذي تريد”، وهنا أيضا أعود إلى القرن الثامن عشر يوم التقى جان جاك روسو بالصدفة مع موضوع مسابقة عرضته أكاديمية ”ديجون” الفرنسية عن طريق مجلة ”ماركير دو فرانس” جاء في صيغة السؤال التالي ” هل ساعد تقدم العلوم والفنون على إفساد الأخلاق أو على تطهيرها؟” لأعيد ربما تشكيل السؤال التالي: ”إلى أي مدى أثر فساد أخلاق مسرحيينا في إمكانية تطوير مسرحهم وفنهم وعلومهم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.