كان خال ابن عربي الثاني، أي الخولاني، زاهدا ورعا، قال عنه الشيخ الأكبر (في الفتوحات المكية - ج2 - ص 23) (1): "كان خالنا أبو مسلم الخولاني، رحمه الله، من أكابرهم: كان يقوم الليل، فإذا أدركه العياء، ضرب رجليه بقضبان كانت عنده، ويقول لرجليه: "أنتما أحق بالضرب من دابتي". وكان الناس - ولا يزالون في بعض المناطق - يصبون جام غضبهم على دوابهم إذا فشلوا في عمل أو تعبوا في حر الشمس أو قر الشتاء أو حتى أحسوا بالإهانة من زوجاتهم، ومع ذلك، فالدواب حنون تنقلهم في رفق إلى كل الأمكنة كما تتحمل ثقل متاعهم ورزقهم. كان خال ابن عربي"أبو مسلم الخولاني" يتألم من التصرفات الجاهلة ويتمنى بسلوكه ذاك أن ينصح الناس لعلهم يتذكرون. ويذكر ابن عربي أحد أعمامه فيقول في (الفتوحات المكية - ج 1- ص 240) (2): "كان لي عم أخو والدي شقيقه، اسمه عبد الله بن محمد بن عربي وكان له مقام ثَمّ لأنفاس الرحمانية حسا ومعنى، شاهدت ذلك منه قبل رجوعي لهذا الطريق في زمان جاهليتي". والجاهلية التي يقصدها ابن عربي هنا هي طيشه أيام شبابه وإن لم يتجاوز وقتها ما يقوم به أترابه أيام صيد الحيوانات أو العراك كما يقول الشهود الذين تربوا رفقته، خاصة أولئك الذين عرفوه في فترة شبابه. إذا، لقد تربى ابن عربي وسط أسرة ذات جاه، ثروة وورع، في الثامنة من عمره، انتقل والده إلى "إشبيليه" فدرس ابن عربي هناك علوم القرآن والحديث والفقه. في "إشبيليه"، تزوج الشيخ الأكبر من امرأة تقية ذات حسب ونسب تدعى "مريم بنت محمد بن عبدون بن عبد الرحمن البجائي" وقد أحبها حبا جما وذكر خصالها في عديد الفصول من كتابه الموسوعة (الفتوحات المليّة)، كانت وفاة أبيه هي الجرس الذي قرع ليفتح باب التقوى بعد أن لمس شيخنا الأكبر الكرامات التي أنارت موت الوالد الحبيب: "... قبل أن يموت بخمسة عشر يوما: أخبرني بموته وأنه يموت يوم الأربعاء وكذلك كان ..". (أنظر الفتوحات المكية - ج 1 - ص 289 ) (3). كان تحول ابن عربي إلى الصوفية، كما يذكر في (الفتوحات المكية - ج 2 - ص 559)، سنة 580 هجرية، فقد كتب ما يلي: "ونلت هذا المقام في دخولي هذه الطريقة سنة ثمانين وخمسمائة". أما قبل هذه السنة، فقد كان ولوعا بالصيد وبقراءة الآداب، وإن ذكر عنه معاصروه أنه كان خلوقا ومؤدبا منذ نعومة أظافر.
1، 2، 3: الفتوحات المكية، طبعة دار الأندلس، بيروت، عام 1983.