الصحيح الذي تجب به الفتوى أنّه لا زكاة في العسل لأسباب كثيرة منها أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأخذ الزكاة من العسل، ولو فعل لنقل ذلك إلينا كما نقل أخذه الزكاة من غيرها، ولأنّ العسل طعام يخرج من حيوان مثله مثل اللبن فإذا أخذنا الزكاة من العسل فلنأخذها أيضًا من اللبن ولا قائل بهذا ولذلك قال الإمام مالك في الموطأ ج2 ص: 182 ''عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حَزم أنّه قال: جاء كتاب من عُمر بن عبد العزيز إلى أبي، وهو بمِنًى أنْ لا يأخُذ من العسل، ولا من الخيل صدقةً''. وقد استدل مَن ذهب إلى إيجاب الزكاة في العسل بأحاديث موضوعة وضعيفة لا يصح منها شيء، منها حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''في العسل في كلّ عشرةِ أزُقٍّ زِقٌّ'' وهو حديث ضعيف أخرجه الترمذي 629 والبغوي في شرح السُنّة ج 6 ص 44 وابن حبان في المجروحين ج 1 ص 374 والبيهقي ج 4 ص 126 وابن الجوزي في العلل ج 2 ص 6، قال الإمام الترمذي: حديث ابن عمر في إسناده مقال، وقال الحافظ البيهقي مُبيّنًا علّته: تفرّد به هكذا صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف ضعّفه أحمد وابن معين وغيرهما، وقال الحافظ أبي الفيض أحمد بن الصِّدِّيق الغُماري في الهداية في تخريج أحاديث البداية ج 5 ص 31 ''اتّفقوا على ضعفه''. واستدلوا أيضًا بأثر عطاء الخُراساني أنّ عمر رضي الله عنه أتاه ناس من أهل اليمن، فسأله واديًا فأعطاهم إيّاه، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّ فيه نحلاً كثيرًا، قال: فإنّ عليكم في كلّ عشرة أفراق فرقًا'' وهذا الأثر ضعيف أيضًا لا تقوم به حُجّة أخرجه عبد الرزاق ج 4 ص 63 وابن نجويه في الأموال ص 2018، وعيبه أنّه منقطع لأنّ عطاء الخراساني لم يُدرِك عمر. واستدلوا أيضًا بحديث أبي سيارة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنّ لي نحلاً، قال: ''أدِّ العشور'' قلت: يا رسول الله، احمها لي، فحماها لي'' وهو حديث ضعيف لا يُعمَل به الأحكام، أخرجه ابن ماجه 1823 وأحمد ج 4 ص 236 وعبد الرزاق ج 4 ص 63 وأبو عبيد في الأموال 1487 وابن أبي شيبة ج 3 ص141 والبيهقي ج 4 ص126 من طريق سليمان بن موسى عن أبي سيارة، وعلّته الانقطاع لأنّ سليمان بن موسى لم يسمع من أبي سيارة، قال الإمام الترمذي في العلل ج1 ص: 313 وسألته (يعني البخاري) عن حديث سليمان بن موسى عن أبي سيارة.. فقال: حديث مُرسَل، سليمان لم يُدرِك أحدًا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال الإمام البخاري في تاريخه: لا يصحُّ في زكاة العسل شيء. وقال الإمام الترمذي في جامعه: ولا يصحُّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الباب كبير شيء، وقال الحافظ ابن المُنذِر: ليس في العسل خبرٌ يثبت، ولا إجماع. فلا زكاة في العسل، وهو قول الجمهور، وبهذا نعلم صحّة ما ذهب إليه سادتنا المالكية رضي الله عنهم من عدم وجوب الزكاة في العسل، وعلى هذا نلتمس من الشيخ ''أبو عبد السّلام'' مراجعة نفسه في هذه المسألة، فقد قرأتُ له فتوى يرى وجوب الزكاة في العسل، والظنُّ بالشيخ أنّه يرجع إلى الحق متَى ظهر له، والحمد لله ربّ العالمين.