كان رشيد بوجدرة، من بين كل أصدقائي الكتاب، هو الذي انتبه إلى أني أكتب، على راحة كفي، كل ”الأمور المستعجلة التي أخشى نسيانها، كانت ذاكرتي ولا تزال في صراع دائم مع النسيان”. كان الشعر هو الذي كاد أن يقضي على ”الكتابة على الراحة”، ذلك أنه ”داهمني” وأنا في سن المراهقة، غير أن القصائد الرديئة الأولى التي كتبتها في عشرات الأوراق سرعان ما تبخرت! لسبب؟ لقد وجدتني عاجزا عن ”حفظ أوزان الشعر العربي” بالرغم من قول أستاذنا الفاضل توفيق أني شومر إن ”أوزان الشعر أسهل بكثير من المعادلات الرياضية”. لم أكتب قصيدة ذات معنى، كان كل ما كتبته مجرد ”تهويمات” عاشق أحرقته نيران المراهقة دون أن تحرك قواه الجسدية للإقتراب من ”ساحرته” ولو بنصف خطوة: السبب؟ الخجل وثقل حب أم فقدت عشرة من بين ثلاثة عشر بطنا أخرجتهم للوجود، مأساتي وأعز شيء في عينيها أنها كانت تعتقد كونها قادرة على حمايتي من الموت ب... حبها الفائض فيضان نهر ”الشلف” أيام كان يستند، مثل أمي، إلى خيوط أمطار الشتاء الباردة ليغمر السهول المجاورة بقبلات فيضانه المتحدية لثلاثمائة متر من ذلك العرض الذي كانت شموس الأصياف القاهرة قد سلبته من مجراه، كان حب أمي نهرا حاملا، بل أقيانوسا، لو كم تكن الأرض تحملنا، لقلت إن لا بشر قد رآه أو أحس به منذ خلق الله الكوكب الأزرق وتوابعه، غمرتني منذ ”وغوغتي” الأولى بهذا الفيضان العارم حتى كادت أن تغرق خطواتي بدموع عينيها أم الشيخ التي أنستها ”القبيلة” أنها تسمى ”خيرة” ترى طفلها ”الذكر” يكبر كما الأطفال ينمون ويشبون فيصبحون رجالا قادرين على تحدي... الموت! كان توفيق أبو شومر القصاص الفلسطيني القادم من حدائق ”رام الله” التي سلبها ”الموت الإسرائيلي” من عينيه قد علمني نوعا أو جنسا أدبيا يتحدى ”حب الشعر” الذي حاولت به الهروب من ”حب أمي”، علمني كتابة القصة، أو بالأحرى اكتشفت في تلميذه، المقبل على قتل آخر سنوات المراهقة، اكتشفت تلك القبوة الحكائية الهائلة التي تصنع القصاصين والروائيين. كنت في الثامنة عشر، كانت قصة ”كوخ التبن” التي باركها أستاذي توفيق أبو شومر (1) اكتشافا جديدا لحب أمي. .. يتبع توفيق أبوشومر: قصاص فلسطيني، كان مدير الإعلام في آخر حكومة لياسر عرفات قبل وفاته رحمه الله. درسنا بدار المعلمين في خميس مليانة (1969 1971). شكر: أشكر السيدة حدة حزام مديرة الفجر والسيد رشدي رضوان رئيس التحرير على تشجيعاتهما لي كي أكتب هذه المذكرات المشاكسة التي لا تشبه مذكرات السياسيين. كانت الحلقة 6 هي آخر حلقة من ”محنة ابن عربي” كلمة ”يتبع” كانت خطأ مني وليس خطأ الفجر، ألف معذرة.