التخلّف التكنولوجي وغياب الكاميرات وراء حريقي البريد المركزي وبنك الجزائر كانت ”الشرارة الكهربائية” المتهم الأول في سلسلة الحرائق التي شهدتها عدد من المؤسسات الاقتصادية في الجزائر خلال 2012 في مقدمتها حريق البريد المركزي الذي التهم جزءا كبيرا من مقر وكالة اتصالات الجزائر يوم زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للجزائر، وحريق مطبعة النقود بالرويسو في العاصمة خلال ثاني أيام عيد الفطر الماضي، حيث فتحت الحكومة تحقيقات كبرى لتحري أسباب هذه الحرائق التي كادت أن تتسبب في كوارث اقتصادية ضخمة لتخرج بنتائج مفادها أن الشرارة الكهربائية المتهم الأول والأخير في هذه الحرائق إذ أجمع المسؤولون على أنها مجرد صدفة! 2012 سنة حرائق المؤسسات والهيئات الرسمية كوارث اقتصادية من صنع ”شرارة كهربائية” صنعت عشرات الحرائق الحدث السنة المنقضية، لاسيما تلك التي تعرضت لها مؤسسات اقتصادية وهيئات عمومية رسمية، باعتبارها الحوادث التي أسالت الكثير من الحبر على مستوى وسائل الإعلام الوطنية، في وقت فتحت التحقيقات التي باشرتها الجهات الوصية جاعلة الشرارة الكهربائية المتهم الأساسي باب التأويل على مصراعيه، في إشارة إلى أن أحداث من هذا النوع لم تكن محض صدف وإنما كانت بفعل فاعل. أبرز الحرائق التي شهدتها سنة 2012 والتي كانت لها آثار مباشرة على الاقتصاد، باعتبار أنها أوشكت أن تؤدي إلى ”كارثة” مالية، هو الحريق الذي استيقظ عليه الجزائريون في يوم ثاني عيد الفطر ذات يوم 21 أوت بسبب حالة استنفار قصوى في أعقاب اندلاع الشرارة بدار النقود بالمطبعة الرسمية لبنك الجزائر، أو ”بيت مال” الجزائريين كما تعرف، لتكون وراء إتلاف كمية كبيرة من الورق المستعمل في طباعة النقود، وجوازات السفر البيومترية والطوابع الضريبية، في حين أشارت التقرير إلى أن آلات طبع النقود نجت من ألسنة الحريق، ودامت عملية الإطفاء أكثر من أربع ساعات، جندت الحماية المدنية خلالها أكثر من 200 عون من أفرادها و28 شاحنة إطفاء و3 سلالم هوائية و5 سيارات إسعاف، بهدف محاصرة النيران. سيناريو مشابه عرفته شركة ”اتصالات الجزائر” في 19 ديسمبر الماضي، بالتزامن مع الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات الهاتفية والأنترنت عن جانب كبير من وسط العاصمة، وتعرض فرع آخر للمؤسسة ذاتها إلى أحداث مشابهة أدت إلى التسبب في انقطاعات تقنية والتي مست شبكة الربط بالأنترنت والهاتف الثابت على مستوى المنازل والمؤسسات بسبب الحريق الذي اندلع في تيليملي بالجزائر العاصمة، حيث تضرر حوالي 660 زبون من هذه الحادثة، حيث أتى الحريق على كوابل التوزيع الوحيدة في المنطقة، ما أدى إلى اضطرابات في كل من عمارة ”أيرو بيتا” وشارع كريم بلقاسم، وطريق سفنجة، وعلي بن سايح، وحي عين زبوجة وحي الزيتون. وتواصلت نفس الإحداث في بداية السنة الجارية، كما هو الشأن بالنسبة للحريق الذي اندلع بمصفاة لتكرير النفط بولاية سكيكدة، على مستوى فرن ”الوحدة 100” على وجه التحديد، ما أثار الرعب لدى سكان المناطق القريبة من الحريق، في حين ذكرت التقارير أن الحريق شب عندما كان العمال يتأهبون لإعادة تشغيل الوحدة، التي خضعت لعملية تجديد فى إطار مخطط إعادة تجديد المصفاة بالكامل، وتسبب الحادث بإصابة ثلاثة أشخاص بجروح طفيفة. وكانت ألسنة النيران مست السنة المنصرمة أيضا منشآت أخرى على غرار سوق ساحة الشهداء بالعاصمة، الذي تعرض لحريق تسبب في خسائر مادية متمثلة في احتراق 17 طاولة، ذكرت التحقيقات الأولية التي أجرتها مصالح الأمن أنها تعود إلى شرارة كهربائية، بينما أكدت مصادر محلية أن أسباب الحريق هو لجوء بعض التجار إلى قرصنة الكهرباء واستعمالها بالطرق غير القانونية. سعيد بشار الأمين العام للبنك المركزي حميد بوغيدة ل”الفجر”: ”مراقبة شاملة وآليات إنذار لتجنب تكرار الحرائق” ^ استبعد الأمين العام لبنك الجزائر، حميد بوغيدة، أن تتكرر الأحداث التي شهدتها السنة الماضية على مستوى المنشآت والهيئات التابعة للبنك المركزي، مشيرا إلى الحريق الذي شب في مطبعة النقود أو ما يطلق عليه ”بيت المال”. وأكد المتحدث في تصريح ل”الفجر” أن المصالح المختصة بالبنك عمدت إلى إجراء رقابة شاملة على جميع شبكة الكوابل، من منطلق أن المتسبب الأول في نشوب الحرائق هو الشرارات الكهربائية، هذا من حيث تجنب وقوع مثل هذه الحوادث، حيث أضاف أن المؤسسة تعتمد أيضا على وضع مكانيزمات وآليات للإنذار عن الحرائق للتصدي لها قبل أن تتطور وتتسع. سعيد. ب خبير الاقتصاد فارس مسدور ل”الفجر”: ”التخلف الإلكتروني” المتهم الرئيسي في قضايا الحرائق ربط خبير الشؤون الاقتصادية فارس مسدور أسباب الحرائق التي باتت تشهدها أغلب المؤسسات الاقتصادية، آخرها الحريق الذي شهده البريد المركزي شهر ديسمبر المنصرم بعامل ”التخلف الإلكتروني”، أساسا في ظل اعتماد الإدارات طرق كلاسيكية في تسير مواردها خاصة والتي أضحت تخدم الأهداف الأساسية المخطط لها وراء افتعال حوادث مماثلة عن طريق إتلاف كل الأوراق الإدارية قصد تسهيل مهمة الاختلاسات المالية التي تفتح الباب أمام كل أنواع الجريمة. وفي موضوع ذي صلة، أرجع أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر في اتصال مع ”الفجر” اعتبار عامل الشرارة الكهربائية كعامل رئيسي لتبرير هذا النوع من الحوادث لسهولة إتلاف الألياف الكهربائية بالمؤسسات والتي تساهم بشكل كبير في مسح كل بصمات الفاعل دون ترك أي أثر، وبالتالي يتم الاعتماد عليها واتخاذها مبررا لفتح الطرق أمام الجريمة الإدارية. وفي ذات الخصوص طالب المتحدث نفسه كل السلطات المسؤولة بضرورة تكثيف التحريات واعتماد تحقيقات معمقة وعدم الاكتفاء بكل ما هو سطحي، خاصة وأن أغلب الحرائق التي شهدتها أكبر المؤسسات العمومية منذ عشرين عاما لم يتم إعادة فتح ملفاتها والاكتفاء بمبرر بات من السيناريوهات المألوفة جدا. وعن أسباب غياب هذا النوع من الحوادث عن ساحة المؤسسات الخاصة والأجنبية، مقارنة بالعدد الهائل التي تعرضت له مؤسسات مالية حكومية، أوضح الخبير في ذات الخصوص أن المؤسسات الأولى تعتمد على مصالح خاصة في هيكلها الإدراي لمراقبة وصيانة كل أنواع الألياف الكهربائية ومختلف الأجهزة الالكترونية بصفة مداومة، زيادة على اعتمادها أحدث الطرق فيما يخص التسيير الإداري من برامج معلوماتية ونظم إلكترونية حديثة لضمان سيرورة العمل بشكل منتظم وتفادي كل محاولة إتلاف. وعليه دعا خبير الاقتصاد فارس مسدور المؤسسات المتضررة إلى عدم المرور على هذا النوع من الجرائم مرور الكرام خاصة وأن أغلب ملفات التحقيق في الجزائر لم يتم فتحها إلى غاية اليوم الأمر الذي يشجع جريمة الاختلاس المالي بشكل كبير، بداية من اختلاس مختلف المصالح الإدارية وصولا إلى الأهداف المسطرة، فمنذ تسعينيات القرن الماضي تكبدت خزينة الدولة خسائر فادحة ناجمة في غالبيتها عن قضايا استيلاء على المال العام انطلاقا من الطرق سالفة الذكر، وبالتالي أصبح من الضروري الاعتماد على النظام المعلوماتي والبرامج الحديثة في ما يخص جانب التسيير وإسناد هذا النوع من الحوادث إلى مراكز علم الجرائم التي باتت تزخر به الهيئات الأمنية لما يعرفه هذا الأخير من وسائل متطورة، كما دعا إلى تشديد العقوبات الأمنية على مرتكبي هذه الجرائم وتلافي سياسة ”الكيل بمكيالين” خاصة وأنها لا تتجاوز في كثير من الأحيان عقوبة سجن بين 10 إلى 15 سنة مقابل عقوبات مشددة على جرائم أخف من حجم هذا النوع من القضايا الضاربة للصالح العام. ياسمين صغيرأغلب القطاعات غير مؤمنة ضد الحرائق والشرارات الكهربائية الخزينة العمومية تتكبد خسائر بالملايير سنويا لتعويض مؤسسات الدولة قالت مصادر من التعاضدية الوطنية لعمال التربية والثقافة إن 7 وزارات فقط مؤمنة ضد الحرائق الناجمة عن الشرارات الكهربائية، هي وزارة التربية والتعليم الوطنيين، وزارة الشباب والرياضة، وزارة العمل والشغل والضمان الاجتماعي، وزارة التعليم والتكوين المهنيين، وزارة الثقافة، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الاتصال. وأضاف المتحدث أن تأمين هذه الوزارات جاء بناء على اتفاقية تم إبرامها شهر جوان من السنة المنصرمة مع القطاعات المعنية، حيث تقوم التعاضدية بتعويض الوزارات السبع وكافة المؤسسات التابعة لها عن الخسائر التي قد تتكبدها نتيجة الحرائق المشتعلة بفعل شرارة كهربائية أو غيرها. وشرعت التعاضدية بداية من شهر جوان المنصرم في تعويض كافة المؤمنين المتعاقدين معها بنسبة مائة بالمائة عن كافة الأضرار التي تلحق بالهياكل التي تتعرض للسرقة أو لأعطاب تقنية في مجال التجهيزات الكهرومنزلية والإعلام الآلي، وكذا الأخطاء والعيوب الهندسية التي يتم اكتشافها بعد تشييد الهياكل، إضافة إلى الحرائق، مشيرة إلى أن حجم هذه التعويضات قد يصل إلى 100 مليون سنتيم. وأضاف المصدر أن كافة الهياكل التي تتضمن عيوبا تقنية أوهندسية أو تتعرض للسرقة أو لعطب في مجال الأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية بسبب انقطاع شبكة الكهرباء أو أية شرارة كهربائية، ستستفيد من تعويضات مالية تعادل المائة بالمائة بعد إيفاد تقارير الخبرة. وقال المتحدّث إن صيغة هذا التأمين أيضا ستطبق ضد الحوادث التي تتعرض لها هياكل هذه الوزارات، على غرار انكسار الزجاج والحرائق وكذا فيضان المياه وتسربات الماء والغاز وانفجارات الكهرباء، وهو ما سيخلّص الخزينة العمومية من خسائر بالملايير سنويا نتيجة إعادة اقتناء هذه التجهيزات في كل مرة. وفي سياق ذي صلة أعلن المصدر أن قطاعات عديدة أبدت رغبتها في الحصول على تعويضات مالية لقاء هذه المخاطر من خلال ابتكار صيغة جديدة للتأمين، حيث أودعت العديد من الوزارات طلب للحصول على هذا النوع من الضمان وهو ما دفع التعاضدية في وقت سابق إلى التقدم إلى مصالح وزارة المالية للحصول على رخصة تتيح لها التأمين عن الأخطار الهندسية والتقنية، والتي تكبّد مختلف القطاعات الحكومية خسائر بالملايير. إيمان كيموش سرقة الكوابل وراء الشرارات الكهربائية اتصالات الجزائر تعمم تقنية ”الأمسان” لتفادي تكرار سيناريو البريد المركزي قالت مصادر من المجمع العمومي لخدمات الهاتف الثابت والنقال والأنترنت ”اتصالات الجزائر”، إن هذه الأخيرة اتخذت إجراءات جديدة لمواجهة سيناريو الحرائق على مستوى هياكلها ووكالاتها التجارية، لاسيما بعد الحريق الأخير الذي شهده البريد المركزي يوم زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والذي لم يتم إصلاح الأعطاب التي تسبب فيها لحد الساعة. وقالت ذات المصادر في تصريح ل”الفجر” إن هذه الإجراءات تتمثل في استبدال الكوابل النحاسية بالألياف البصرية عبر ما يصطلح على تسميته بشبكة ”الأمسان” الأمر الذي سيمنع اشتعال النار على مستوى خطوط الاتصالات السلكية وهو ما سيساهم إلى حد بعيد في تقليص حجم الخسائر التي تتكبدها الدولة في كل مرة. وأضاف المصدر أن سبب الحرائق التي تنشب غالبا على مستوى اتصالات الجزائر هي عمليات السرقة التي يقوم بها المواطنون في كل مرة من خلال نهب الكوابل النحاسية وهو ما يؤدي إلى نشوب شرارات كهربائية تفتعل حرائق ضخمة في كل مرة على غرار ما حدث بوكالة اتصالات الجزائر الواقعة بالبريد المركزي.