أعلن رئيس الجمهورية عن الثلث المختار من طرفه (الثلث الرئاسي) ليكمل العدد المتبقي من أعضاء مجلس الأمة (التجديد النصفي) بعد الانتخابات المحلية التي اختارت الثلثين، وبذلك يكمل مجلس الأمة عدده، وينتهي من انتخاب رئيسه، المختار بالطبع من الثلث الرئاسي، يمثله السيد عبد القادر بن صالح الذي حصل على عهدة أخرى لمدة ست سنوات، وبهكذا إجراءات، وباكتمال النصاب الانتخابي يبدأ المجلس أشغاله بمراجعة القوانين التي تأتيه من البرلمان ليصادق عليها.. حتى لو كان هناك نقص في العدد النهائي للمجلس. من أهم النقاط التي أطرحها للنقاش، والمتعلقة طبعا بهذا المجلس (مجلس الأمة) والتي أتمنى أن التعديلات الدستورية القادمة تهتم بها، هي المواد القانونية التي تسير المجلس، والتي أهمها: مهامه التشريعية والسياسية وكيانه البشري..؟ النقطة الأولى، المثيرة للاهتمام، وهي هل قدم لنا مجلس الأمة الذي تتربع فيه نفس أغلبية الحزبين الكبيرين في البرلمان، ذات مرة قراءة أخرى في القوانين التي يصدرها البرلمان ماعدا المصادقة أو ذلك التنقيح البسيط الذي لا يخل بالنص الأول، وهل استدعى الأمر يوما ما أن تلتقي اللجنة المتساوية الأعضاء حول أي قانون نوقش بسبب اختلاف وجهات النظر بين المجلسين (أعتقد أنها حدثت مرة واحدة)؟ فحتى في عز تحوير القوانين التي نزلت للبرلمان حول الإصلاحات السياسية التي وعد بها رئيس الجمهورية، والتي رأت نوعا من الإخلال في البرلمان، والذي كان على مجلس الأمة أن يدافع عنها، لم نجد إلا التوافق وبشكل إيجابي جدا، فما دام كل ما يأتي من البرلمان جيد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لم كل هذا التعب وهذه المصاريف وما فائدة وجود مجلس للأمة أصلا..؟ النقطة الثانية، أي الكيان البشري، تقتضي إحدى مواد مجلس الأمة، أن يتم انتخاب الثلثين من رجال أو نساء كان قد تم انتخابهم في المجالس المنتخبة محليا، ويختار رئيس الجمهورية الثلث المتبقي من قدرات وكفاءات وطنية، وتشديد القانون على الكفاءات إنما للتصدي لأي نقص قد تفرزه الانتخابات البرلمانية أو المحلية.. وهنا أتساءل مع القراء الكرام إن كان اختيار الرئيس قد كان موفقا في ملء الفراغ والنجاح في تقليص هذا العجز..؟ من تابع الانتخابات المحلية، فإنه قد تابع، وبدون أدنى شك، كيف تمت المبايعة لهؤلاء المنتخبين، وكيف ساهمت الأحزاب في عملية الاختيار التي يتحدث جميع المناضلين فيها عن وسائل البيع والشراء الخسيسة التي شابهت كثيرا كيفية إتمام مناقصات المؤسسات الوطنية التي تعلن للناس بعد أن تتم الصفقة في المقاهي والبارات وحتى في المساجد والإقامات الخاصة بعيدا عن المتطفلين من المرشحين السذج الذين تملأ بهم القوائم، وإن كان ذلك أمرا مرعبا وخطيرا إلا أنه قد أصبح أمرا مألوفا، فقد تعودنا عليه في الانتخابات البرلمانية السابقة وحتى في تأطير الأحزاب والنقابات وما إلى ذلك..؟ وبما أن مجلس الأمة لن يكون الاستثناء مع الأسف، لأنه ليس خارج الخارطة الانتخابية الجزائرية التي تشبعت بأخلاق مارستها الطبقة السياسية في الجزائر ككل، ومذهبتها الأحزاب بأخلاقيات مدسوسة، وسلوكيات مغشوشة جعلت من العمل السياسي في بلادنا مهزلة العصر لدى العام والخاص، مما يثير الاهتمام والتساؤل في نفس الوقت، عن أهمية ودور الطبقة السياسية في مصداقية العمل الديموقراطي وترقيته، وهو الأمر الوحيد الذي قد يمكنه بناء التنمية السياسية الحقة التي تمكن للأمن والاستقرار في البلاد. وبنفس السياق نطرح السؤال عن اختيارات رئيس الجمهورية للثلث..؟ خاصة إذا ما اعتمدنا على المادة الأساسية التي يعتمد عليها المجلس في بنائه البشري.. فهل يصدق أن يخضع اختيار الكفاءات لقاعدة استعادة الوزراء حتى لو كانوا قد أثبتوا فشلهم في تسيير البلاد فقط لأن المادة تقول كفاءات..؟ فهل كل الوزراء قد أثبتوا كفاءاتهم في قطاعاتهم التي نكبوها وجلسوا فوقها يكذبون على الناس، ويسرقون طمأنينتهم وصبرهم.. فمن يتحمل مسؤولية اختيارهم كوزراء وعجزهم كمسيرين ومن المسؤول عن محاسبتهم على فشلهم، خاصة وأن الشعب قد حملهم المسؤولية تلو الأخرى بمطالبه وخروجه للشارع في عديد المرات.. هل اختيار الثلث كان يجب أن يبقي على أعضاء لم نسمع صوتهم ولا مرة لا في نطاق مهامهم ولا في كل التداعيات والإشكالات التي مرت على هذا الوطن الحبيب.. قد يرد علي بأن أعضاء مجالس الشيوخ الغربية يستمرون لأكثر من عشرين سنة، نعم حصل ذلك، وهم معروفون في الساحات الغربية وفي أعرق الديموقراطيات وأكبرها، ولكنهم حتى لو تم وصولهم بطرق ملتوية، فإنهم يختارون لمواقفهم وعطائهم وقدراتهم، فما الذي أعطاه من أعيد تعيينه، ومنهم من أنشئ مع نشأة المجلس، وماذا سيعطي فاقد الشيء الذي أعاق برامج الإصلاحات وأفسدها وحولها إلى مسالك أخرى.. أم أن إبقاءهم هو من أجل مهام أخرى، وحتى إن وافقنا ذلك، فهل عقرت الجزائر إلى هذا الحد ولم تجد إلا هؤلاء..؟