”لمن أكتب اليوم وقد انطفأت عينا أمي؟” كان ذلك الظلام الذي يستحيل وصفه، كونه آت من عالم آخر لا يمكن للإنسان أن يعرفه، كان قد سلب أمي، وسلبني في نفس اللحظة من ذلك النور المنبثق من القرّتين العسليتيْن المشوبتيْن بخيوط زرقاء تميل إلى الإخضرار، كانت ألوان عيني أمي متعددة تعدد ألوان رسام عبقري غمس ريشته في مجموعة ”غوبليات” فأخرج نور عينين لم يعد بإمكانه محاكاته طوال عمره، نور عجيب، غريب، ذكي وحزين حزن عالم ”ياية، الذي اخترع الشمعة ومات مغمورا دون أن يعرف أحد اسمه لحد الآن! وكيف يمكن للبشرية أن تذكره وقد عاش ومات بين أهله الجحودين الذين لم يعودوا، يذكرون أحدا من علمائهم الأفذاذ ومتى ذكر العرب والبربر عباقرتهم بالخير، حتى يذكرهم الآخرون؟ فما دمنا لا نذكرهم ولا نأخذ نعلمهم، حق للآخرين سرقة زبدة مخترعاتهم أو إبداعاتهم كما حدث لابن رشد الفيلسوف البربري العربي الذي ”اكتشف الزمن” فأحرق بنو جلدته كتبه وحاولوا اغتياله، فمات مغبونا في بلاد المغرب، بعد خمسة قرون كاملة، أصبح اسبينوزا ولا يزال ”مكتشف الزمن” الخالد! حتى العرب والبربر يقولون إن ”اسبينوزا” خالد باكتشافه الزمن!. أعتذر لكم سعادة القراء والقارئات، إن ذهبت بعيدا حتى كدت أن ألمس الظلام الذي أسدل ستاره على عيني أمي في الهزيع الأول من ليلة 14 نوفمبر العام 1992، فبقدر ما كانت عينا أمي حزينيتين في تلك الليلة التي فقد فيها نور القمر بقدر ما كانت الجزائر حزينة وهي ترى أبناءها يقتتلون!. ماتت أمي ثلاث مرات المرة الأولى وهي ترى أصحاب اللحى القذرة يقتلون في جيلالي، ”جيلالها” ذلك الهدوء الأسطوري تلك الرزانة الخارقة، فاعتقدت أنهم أطفؤوا نور ”ڤرتيها”، ”مَمّو” عينيها كما كانت تسميه، وماتت مرة ثانية حين اغتالوا الزعيم، ”زعيمها” محمد بوضياف في جوان العام 1992، أما موتها الأخير الذي أركبها محمل الطيور المغردة فوق غبار معاول حفاري ”القبر الأبدي”، موتها الأخير، فقد كان في تلك الليلة المشؤومة من شهر نوفمبر العام 1992! ماذا أقول؟ ربما كانت ليلتها الأخيرة فألا حسنا، سعادة أبدية بالنسبة لها، إن قلت إن ليلة وفاتها كانت ليلة مشؤومة فذلك يعود أساسا إلى الخلل الذي أصاب عقلي منذ ربيع العام 1991. .. يتبع