وهكذا أخرست تدخلات أوباما وقبله هيلاري كلينتون كل الأصوات الناشزة التي انبعثت من طوكيو ولندن وباريس منددة أحيانا ومتهكمة أحيانا أخرى، حول الطريقة التي عالج بها الجيش الجزائري عملية الهجوم على قاعدة الغاز بعين أمناس. فبمجرد أن حملت أمريكا مسؤولية قتل الرهائن بقاعدة تيغنتورين، إلى عناصر القاعدة، وأثنت على الدور الجزائري وخبرته في الحرب على الإرهاب، حتى اصطفت كل عواصم البلدان المعنية بالقضية خلف أمريكا، وتسابق وزراء خارجيتها للاعتراف بحنكة الجيش الجزائري وبنجاح عملية تحرير الرهائن، مع أنهم كانوا جميعا يتهمون الجيش بالعنف، وبأنه لا يفرق بين الخاطفين والرهائن، وأنه يقتل الجميع دون تمييز، وأن العملية كانت الأكثر دموية مما عرفه العالم في السنوات الأخيرة... وهكذا يتأكد الجميع من تيغنتورين ومأساتها، أن أوباما حقا هو رئيس العالم. الغريب في كل هذا أن البلدان العربية وجامعتها لم تنطق بكلمة واحدة طوال كل العملية إلى أن انتهت، واعترف أوباما بحنكة الجيش الجزائري في تعامله مع العملية، لتبدأ تتهاطل بيانات التنديد بالإرهاب على الخارجية الجزائرية! ربما لأن البلدان العربية لم تتفق على مفهوم محدد للإرهاب، فهناك من الأنظمة العربية التي لا تزال تدعم الإرهاب وتموله، وتمده بالفتاوى وترافقه إعلاميا، والدليل أن الجزيرة القطرية ما زالت هي الناطق الرسمي باسم الإرهابيين والمروج لعملياتهم الإرهابية، آخرها بثها لتصريحات المدعو ”أبو البراء” الذي حاورته الجزيرة ساعات فقط قبل القضاء عليه. هذا من جهة، ومن جهة ثانية وبعد الدور الإيجابي الذي لعبه الجيش الجزائري في أزمة عين أمناس، وبغض النظر عن التساؤل المشروع: كيف وصل الإرهابيون بهذا العدد وبهذا العتاد إلى قاعدة غاز بهذه الحساسية؟! فعلينا اليوم كدولة الحديث عن النقائص في المؤسسات الأخرى التي كانت غائبة نهائيا أثناء الأزمة، ومنها الأحزاب. وباستثناء رئيسة حزب العمال، لم تصدر المؤسسات السياسية الأخرى أي بيان تنديد بالعملية الإرهابية، أو مساندة لدور الجيش أمام الهجمة الإعلامية الغربية، والأصوات القليلة التي تعالت كانت تنتقد مسألة سماح الجزائر باستعمال مجالها الجوي من قبل الطائرات الفرنسية، ويلوم أصحابها السلطات التي لم تستشرهم... فهل كانت ستجري استفتاء قبل اتخاذ هكذا قرار؟ علما أن الطائرات الفرنسية مرت أيضا بأجواء المغرب وأجواء ليبيا، وبلدانا أخرى لكن لم تنتقد شعوب هذه البلدان هذا الإجراء ولم يوجه الإرهابيون أسلحتهم لها! لكن تبقى لهذه القضية المأساوية جوانبها الإيجابية، وهي أنها أصحت بعض الضمائر النائمة، وأعادت الثقة بين المواطن والمؤسسة العسكرية التي اهتزت سمعتها في السنوات الأخيرة لكثرة الانتقادات الموجهة إليها، داخليا وخارجيا، حتى أن ”إليزابيت شاملا” صديقة وزيرة الثقافة ومؤلفة كتاب ”جزائرية واقفة” طلبت قبيل رئاسيات 2004 من وزيرة الثقافة أن توصل رسالة للرئيس بوتفليقة ”أن يقضي على الجنرالات، ويرسل جبهة التحرير إلى المتحف”، وفي المقابل سيلقى كل الدعم من اللوبي الصهيوني العالمي. لحسن حظنا لم يكسر الرئيس الجيش وإنما حمل عنه المهام السياسية وأبعد جنرالاته عن الانتقادات الإعلامية، وهكذا كانت قضية تيغنتورين إنجازا من إنجازات جيش مدرسة أشبال الثورة البومدينية التي حمت أمس الجزائر مثلما حمتها منذ 20 سنة، ومثلما تحميها مستقبلا من مخططات أخرى، مثلما سبق وفعلت، حيث أحبطت الكثير من الخطط التي استهدفت المناطق النفطية في الجنوب. فالدور المستقبلي ليس مهمة الجيش وحده وإنما مهمة المؤسسات الأخرى، مهمة المدرسة، والمسجد والأسرة، والبرلمان والحكومة، كل على مستواه، لأن بناء الأوطان وحمايتها لن يكون فقط بالبندقية!؟