تميزت سنة 2012 بكثافة المواعيد السياسية المدرجة في سياق تجسيد الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي أعلنها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في ربيع 2011، حيث شهدت السنة موعدين انتخابيين حاسمين تمثلا في إجراء إنتخابات تشريعية في العاشر ماي، ثم الاقتراع المحلي المزدوج في 30 نوفمبر، طبقا لأحكام القوانين الجديدة التي تم اعتمادها في إطار تطبيق برنامج الإصلاحات العميقة، فيما يرتقب استكمال حلقات الاستحقاق الإنتخابي بإجراء إنتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة المقررة نهاية الشهر الجاري، ليفسح المجال بعد هذه المواعيد لموعد التتويج النهائي للبرنامج المذكور المقرر بإجراء التعديل الدستوري المرتقب. فبعد استكمال مسار المصادقة على القوانين المعدة في إطار برنامج تعميق الإصلاحات السياسية والمتمثلة في قوانين الإنتخابات، الأحزاب السياسية، الجمعيات، الإعلام، التمثيل النسوي في المجالس النيابية، التنافي مع العهدة البرلمانية وقانوني البلدية والولاية، تركزت كل الاهتمامات حول التحضير للإنتخابات التشريعية التي انتظمت في 10 ماي 2012، وذلك لكونها شكلت أول امتحان لبرنامج الإصلاحات السياسية العميقة، مع كل ما يحمله الموعد من رهانات سياسية تفتح الباب واسعا على نهج تعميق وتعزيز الديمقراطية، إعادة بناء ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، تحقيق رغبته في التغيير وتطلعه إلى تحسين الإطار العام لحياته اليومية. وفي هذا الإطار، أجمع قادة التشكيلات السياسية المشاركة في هذا الموعد الإنتخابي خلال الحملة الإنتخابية، على أهمية هذا الاستحقاق في إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية بالجزائر، سواء من خلال دعم المكاسب المحققة أو عبر إحداث تغيير جذري وقطيعة مع نمط التسيير الذي ساد البلاد خلال ال 50 عاما الماضية، والتقى خطاب الأحزاب السياسية التي شاركت في هذا الموعد عند التأكيد على أن يوم العاشر ماي هو بمثابة المنعرج الحاسم في حياة الجزائر ومحطة بارزة لبعث رسالة قوية إلى العالم، وصفعة في وجه المراهنين على إحراق البلاد وإدخالها في دوامة الربيع العربي.
26 حزبا تدخل المجلس الشعبي الوطني و”الأفلان” يحصد الأغلبية وعرفت هذه المحطة الإنتخابية الهامة مشاركة ما لا يقل عن 44 حزبا سياسيا، من بينها 21 حزبا سياسيا جديدا اعتمدت بموجب قانون الأحزاب الجديد، مع تطبيق إجراءات النص الداعم لنسبة التمثيل النسوي في المجلس المنتخبة، فيما أسفرت نتائج هذه الإنتخابات التي ميزها أيضا عودة حزب جبهة القوى الإشتراكية إلى المعترك السياسي، عن فوز الحزب العتيد جبهة التحرير الوطني بأغلبية المقاعد (208 مقاعد من أصل 462 مقعدا)، فيما ظفر حزب التجمع الوطني الديمقراطي ب 68 مقعدا. وبذلك، جاءت نتائج التشريعيات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 43 بالمائة، على عكس التوقعات والطروحات التي ترقبت برلمانا فسيفسائيا بالنظر للعدد الكبير للتشكيلات السياسية المشاركة في هذا الموعد، وكون غالبية هذه التشكيلات خرجت من رحم الأحزاب التقليدية. وأثارت النتائج حملة تشكيك واحتجاجات حادة من قبل بعض الأحزاب سياسية التي صبت غضبها على القانون الجديد للإنتخابات، ونسبة ال5 بالمائة الإقصائية التي تسببت في تضييع حقها في الظفر بمقاعد إضافية، وعبرت الأحزاب المحتجة عن قلقها حول قدرة البرلمان الجديد على حمل رهانات المرحلة المفصلية التي تمر بها البلاد واستكمال برنامج تعميق الإصلاحات السياسية التي بلغ محطاته الأخيرة. كما عملت الإنتخابات التشريعية على رفع حجم التمثيل الحزبي في الغرفة البرلمانية السفلى إلى 26 حزبا سياسيا وقائمة حرة، خلافا للعهدة السابقة التي كانت مشكلة من 22 حزبا سياسيا وقائمة حرة، وأدخلت هذه التشريعيات 10 أحزاب سياسية جديدة إلى المجلس الشعبي الوطني فازت في مجملها ب35 مقعدا، ويتعلق الأمر بكل من؛ جبهة العدالة والتنمية والحركة الشعبية الجزائرية، الفجر الجديد، جبهة التغيير، الجبهة الوطنية للعدالة الإجتماعية، إتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية، جبهة المستقبل، حركة المواطنين الأحرار، حزب النور الجزائري، إضافة إلى حزب الكرامة، فيما أزاحت في المقابل 5 أحزاب سياسية لم تتمكن من الحفاظ على مقاعدها في هذه الهيئة، ويتعلق الأمر بكل من؛ حركة الوفاق الوطني والتجمع من أجل الشبيبة والديمقراطية، الحركة الوطنية من أجل الطبيعة والنمو، الحركة من أجل الشبيبة والديمقراطية علاوة على التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي قاطع الإنتخابات التشريعية. وحظيت تشريعيات 10 ماي 2010 التي شهدت حضور العديد من الوفود الدولية لمعاينتها فاق تعداد فرقها ال1000 ملاحظ دولي، بترحيب وإشادة من عدة جهات وطنية وأجنبية، باركت النهج الديمقراطي الذي جرت فيه، ووعي الشعب الجزائري الذي اختار نهج التغيير السلمي لقول كلمته وفرض خياره، بعيدا عن لغة التصادم والصراع التي كان يراهن عليها الكثير من الحاقدين الذين توقعوا ربيعا دمويا في الجزائر، شبيها بذلك الذي عرفته بعض الدول العربية على غرار تونس، ليبيا، مصر وسوريا. فيما حيّت القوى الوطنية الشعب الجزائري على استجابته لنداء رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، ودعمه في برنامجه الإصلاحي الهادف إلى رسم ملامح المستقبل الديمقراطي.
ولد خليفة رئيسا لسابع عهدة تشريعية بعد ترسيم النتائج النهائية للإنتخابات التشريعية للعاشر ماي من قبل المجلس الدستوري، عقد المجلس الشعبي الوطني جلسة التنصيب الرسمي في 25 ماي 2012، تم خلالها انتخاب السيد محمد العربي ولد خليفة الرئيس السابق للمجلس الأعلى للغة العربية رئيسا للعهدة السابعة للمجلس الشعبي الوطني في جلسة علنية، شهدت مناوشات وتقاذف التهم بين النواب وانسحاب نواب تكتل الجزائر الخضراء من القاعة، في حين حاول الرئيس الجديد للهيئة التشريعية امتصاص غضب المحتجين ودفعهم إلى تخطي الصدمة التي أحدثتها نتائج التشريعيات، من خلال التأكيد في كلمته التي أعقبت تنصيبه الرسمي على رأس المجلس، على أن تنوع المرجعيات الفكرية ووجهات النظر بالمجلس الجديد تؤهل هذا الأخير لأن يكون مدرسة للديمقراطية ودعامة للاستقرار، داعيا إلى جعل العلاقة بين الأغلبية والأقلية بالمجلس الشعبي الوطني علاقة حوار متبادل، خدمة لمصالح الشعب والوطن.
سلال وزير أول في تعديل حكومي ببرنامج محدد شهدت الفترة التي أعقبت الإنتخابات التشريعية للعاشر ماي 2012 وتنصيب المجلس الشعبي الوطني الجديد، مرحلة ترقّب من قبل الطبقة السياسية التي انتظرت بشغف كبير التعديل الحكومي، لاسيما وأن الوضع الذي كان قائما يفرض ذلك، في ظل غياب خمس وزراء التحقوا بأحزابهم وانتخبوا في الغرفة البرلمانية السفلى في هذه التشريعيات، وتم استبدالهم مؤقتا بوزراء بالنيابة في مناصبهم الوزارية، وفي بداية شهر سبتمبر 2012، أعلن رئيس الجمهورية تشكيلة الحكومة الجديدة التي أولت مهمة قيادتها للسيد عبد المالك سلال الذي عين وزيرا أولا، فيما شملت تركيبة الحكومة التي ضمت ثلاثة قادة أحزاب سياسية (عمارة بن يونس، محمد السعيد أوبلعيد، وعبد القادر ساحلي)، 5 كتابات دولة تم إلحاقها بالقطاعات التي تحتل أولوية استراتيجية التنمية التي تبنتها الدولة، على غرار البيئة والسياحة والشباب. وفور تعيينه على رأس الحكومة الجديدة، أعلن السيد عبد المالك سلال الذي وصف برجل الإجماع بالنظر إلى كونه شخصية دون انتماء حزبي، عن مخطط عمل حكومته الذي تضمن محاور مضبوطة ومحددة، تندرج في إطار مواصلة تطبيق الإصلاحات التي بادر بها رئيس الجمهورية واستكمال البرنامج التنموي الخماسي الذي يمتد إلى سنة 2014. وضبطت حكومة سلال أولويات عملها التي تضمنت على وجه الخصوص عمليات محددة لتحسين الإطار المعيشي العام للمواطنين ومكافحة الآفات الاجتماعية، تنمية الإقتصاد الوطني ودعم الإستثمار، وهي المحاور التي حظيت بتزكية البرلمان، وتكفل وزير الداخلية والجماعات المحلية بنقلها إلى ولاة الجمهورية وممثلي الإدارة من خلال عقد اجتماعات جهوية قدم خلالها السيد ولد قابلية تعليمات دقيقة للمسؤولين المحليين، تحثهم عل السهر على تطبيق هذا المخطط، والحرص على تنفيذ كل العمليات التي تندرج في إطار إعادة تأهيل وتعبئة كافة المصالح العمومية في سبيل الاستجابة لتطلعات المواطنين وانشغالاتهم، مع حثهم على تدارك التأخر المسجل في مجال توزيع السكنات الاجتماعية، تطهير الأحياء والمدن، تنظيم الأسواق وغيرها من العمليات التي تهدف إلى تنظيم وتحسين الإطار العام لحياة المواطن.
محليات 29 نوفمبر تضع روتوشات خفيفة على المشهد السياسي شكل موعد الإنتخابات المحلية التي انتظمت في 29 نوفمبر 2012، إحدى أهم المحطات التي عملت حكومة سلال على التحضير لها بجدية، إلا أن الحملة الإنتخابية التي خاضها مترشحوا ال52 حزبا سياسيا وال179 قائمة حرة التي دخلت هذا المعترك الإنتخابي، لم ترق إلى المستوى الذي كان مرجوا بالنسبة لهذا الموعد السياسي الذي لم يكن يقل أهمية عن سابقه بالنظر إلى ما يحمله من رهانات ذات صلة بتنفيذ مخطط عمل الحكومة في الميدان، وكذا لاستكمال البرنامج المسطر في مسعى تعميق الإصلاحات السياسية. لكن بالرغم من الفتور الذي عرفته الحملة الإنتخابية، إلا أن نسبة المشاركة في هذا الاقتراع المزدوج للمجالس الشعبية البلدية والولائية فاق بقليل نسبة المشاركة في التشريعية وبلغ 44 بالمائة، فيما كرست نتائج الاقتراع هيمنة الحزبين التقليدين جبهة التحري الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إلى جانب وضع روتوشات طفيفة في المشهد السياسي مع تراجع الأحزاب الإسلامية وبروز عدد من الأحزاب الجديدة، أو تلك التي ظلت توصف إلى غاية تاريخ 30 نوفمبر الماضي بالأحزاب الصغيرة، مثلما هو الحال بالنسبة للحركة الشعبية الجزائرية التي ظفرت بالمرتبة الثالثة في هذا الاستحقاق. وافتك حزب جبهة التحرير الوطني أغلبية الأصوات والمقاعد في هذه الإنتخابات المحلية، مع حصدها للأغلبية المطلقة في 159 بلدية ومجلسين شعبيين ولائيين، بينما تحصل التجمع الوطني الديمقراطي على 132 مجلسا بلديا بالأغلبية المطلقة. وفي الوقت الذي لم يخف فيه الحزب العتيد طموحه إلى رفع رصيده من المجالس البلدية إلى قرابة ال1000 بلدية، تحطمت أحلام الأمين العام لهذا الحزب على جدار القانون العضوي للإنتخابات الذي ساهم الحزب بنسبة كبيرة في اعتماده، حيث خرج الوصيف “الأرندي” من معركة التحالفات بصفة الفائز الأكبر من خلال ظفره برئاسة قرابة 400 بلدية جديدة، بفعل التكتلات التي حرصت فيها العديد من الأحزاب على قطع الطريق أمام هيمنة الأفلان. هذا الأخير الذي لم يجد مبررا لخيبته سوى انتقاد الإدارة واتهامها بإعطاء قراءة “خاطئة” لإحدى فقرات المادة 80 من قانون الإنتخابات، فيما اكتفى خصوم هذا الحزب بالتعليق على اتهامات السيد بلخادم بترديد عبارة “انقلب السحر على الساحر”، في إشارة إلى أن “الأفلان” ينتقد قانونا ساهم بجزء كبير في وضعه.
خروج سعدي وآيت أحمد وبروز عهد الإنشقاقات من بين الأحداث التي ميزت سنة 2012 على الصعيد السياسي أيضا، قرار الدكتور سعيد سعدي زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في مؤتمر الحزب في مارس الماضي، التخلي عن منصبه بعد 23 عاما من رئاسة الحزب، ميزتها مشاركته مرتين في الإنتخابات الرئاسية في 1995 و2004، فيما فاجأ السيد حسين آيت أحمد الزعيم التاريخي لجبهة القوى الإشتراكية قبل أسبوع، جميع مناضلي “الأفافاس” بإعلانه التخلي عن رئاسة حزبه الذي أسسه في 1963 وقضى قرابة 50 سنة على رأسه، مشيرا بأنه سيبقى قريبا من الحزب والمناضلين. وعرفت الحركية السياسية للأحزاب خلال العام المنقضي عدة حركات تمرد وانشقاقات لم تستثن حتى بعض الأحزاب التي ظلت إلى وقت ما محصنة بفعل الصرامة والإنضباط الذي بني عليها بيتها، وفي هذا مثال “الأفافاس” الذي دخل في دوامة الصراعات الداخلية مباشرة بعد الإنتخابات التشريعية، حيث لم تستطع مجموعة من القياديين، يتقدمهم الأمين الوطني الأول السابق كريم طابوا، إخفاء امتعاضها من الطريقة التي تبنتها القيادة الجديدة للحزب في تسيير مرحلة التحضير للتشريعيات. وفيما حاولت الحركة التصحيحية لحزب جبهة التحرير الوطني تصعيد لهجتها مع قيادة الحزب خلال الإجتماع الأخير للجنة المركزية بفندق الرياض، أعلنت مجموعة من القياديين والمناضلين في حزب التجمع الوطني الديمقراطي العصيان وخروجها عن نهج الأمين العام أحمد أويحي، مقررة إنشاء ما أسمته لجنة إنقاذ الأرندي التي اختارت وزير الصحة الأسبق يحي قيدوم منسقا لها. وفي حين سارت على خطى الحركتين المذكورتين مجموعة من نواب الجبهة الوطنية الجزائرية التي حاولت سحب الثقة من رئيس الحزب موسى تواتي، اختارت مجموعة من القياديين في حركة مجتمع السلم مصطلح “تغيير الأجواء وخوض تجربة سياسية جديدة” لتبرير انشقاقها عن الحركة وتأسيس حزب تجمع أمل الجزائر “تاج”، بقيادة وزير الأشغال العمومية عمار غول.
الجزائر تفقد مهري، بن بلة والشاذلي بن جديد من الأحداث الحزينة التي سجلتها السنة للجزائر، فقدان عدد من الشخصيات الوطنية والتاريخية التي رسمت تاريخها البطولي أثناء الثورة التحريرية وإنجازاتها الكبرى بعد الاستقلال، ومن أبرز هذه الشخصيات؛ السيد عبد الحميد مهري الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، واحد من أبرز قادة الثورة وأعضاء الحكومة المؤقتة، والذي وافته المنية في 29 جانفي 2012 عن عمر يناهز 85 سنة. كما فقد الجزائريون في 11 أفريل 2012 الرئيس الأول للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، المرحوم أحمد بن بلة الذي وافته المنية عن عمر يناهز 96 سنة، ليلحق به إلى رحمة الله الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد الذي توفي في 6 أكتوبر الماضي عن عمر يناهز 83 عاما، بعد 20 سنة من مغادرته لرئاسة البلاد. وقد وُري الرجلان اللذان قادا البلاد في فترات صعبة وساهم في إرساء دعائم البناء والتشييد والنهج الديمقراطي بمربع الشهداء بمقبرة العالية بحضور شخصيات وطنية ودولية بارزة، فيما أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إثر وفاتهما، الحداد الوطني لمدة 8 أيام.
2012 سنة التحضير لتتويج الإصلاحات يمكن القول في الأخير أن التقييم النهائي للحركية السياسية والأحداث التي ميزت سنة 2012 يجعل من هذه السنة، مرحلة تاريخية هامة لتجسيد قوانين الإصلاحات السياسية، والتحضير لمرحلة التتويج النهائي التي ستكرسها عملية مراجعة الدستور المقررة في الأشهر الأولى من العام الجديد 2013. وهي العملية التي وصفها رئيس الجمهورية بالتتويج النهائي الذي سيسمح بتكريس الثوابت الوطنية والديمقراطية ودولة الحق والقانون.