سنة أولى تصدعات في إصلاحات ما بعد "انتفاضة السكر والزيت" " إصلاحات السكر والزيت "راحت في كيل الزيت
لا يختلف اثنان أن أحداث جانفي 2011 تعتبر بداية لموجة التغيير في المنطقة العربية، أو ما يعرف بالربيع العربي، استطاعت الحكومة احتواءها، بعد إعلانها عن جملة من الإجراءات الفورية المتعلقة بتسقيف الأسعار في المواد الأكثر استهلاكا، ورفع حالة الطوارئ، والسماح بتنظيم المسيرات في كامل التراب الوطني ما عدا العاصمة، بالإضافة إلى إطلاق جدول زمني لتجسيد إصلاحات سياسية تبدأ بالقوانين العضوية لتنتهي بتعديل الدستور، الذي لا يزال الكثيرون ينتظرون دوره دون أمل كبير. وبعد هذه المدة تجمع الكثير من الفعاليات السياسية والمحللين أن الإصلاحات السياسية كانت موجهة إلى الخارج أكثر منها إلى الداخل، فضلا عن تغيير طفيف في القوانين العضوية دون تغيير في المشهد السياسي لا زال يحتفظ برجاله وعرابيه، مع تكديس الساحة بمزيد من الأحزاب السياسية التي ميعت العمل النضالي والسياسي. كما كشفت تلك الأحداث غياب مجتمع مدني قوي، وأحزاب سياسية متجذرة، لم تفلح مجتمعة في تأطير الوضع أو التأثير فيه، بقدر ما أحسنت الاختباء والتواري عن الأنظار، منتظرة الخيط الأبيض من الخيط الأسود لتتخذ مواقفها على طريقة أبي بن سلول صاحب نظرية النفاق. كرونولوجيا بداية الأحداث الأربعاء 5/1/2011 م بدأت في هذا اليوم أولى المُظاهرات فقد شهدت عدة أحياء في العاصمة، مساء الأربعاء، مظاهرات احتجاجية كما سمع إطلاق نار في مناطق متفرقة من المدينة، المظاهرات اندلعت في أحياء ساحة الشهداء، بلكور، باش جراح، باب الوادي واسطاوالي، احتجاجا على ارتفاع رهيب في أسعار المواد الاستهلاكية وعلى رأسها السكر والزيت. أغلق المتظاهرون، مساء الأربعاء، عدة طرق وأضرموا النار في العجلات المطاطية بحي باب الوادي، كما أغلقوا الطريق المؤدية إلى المقر الرئيسي للشرطة، ورشق عشرات الشبان مركزا للشرطة بالحجارة وأشعلوا النار في متجر لبيع السيارات، ودمروا عشرات السيارات. شهدت مدينتي الجلفةووهران بدورهما صباح الأربعاء، مظاهرات وصدامات مماثلة من أجل التنديد بالغلاء، كما تعرض مقر بلدية وهران ومنشآت حكومية أخرى للرشق بالحجار، وهو نفس الوضع في كل من البليدة، عنابة، الطارف وبومرداس. الخميس 6/1/2011 م عاد الهدوء، صباح الخميس، إلى مناطق مختلفة من الجزائر بعد ليلة دامية، اشتبك فيها شباب الأحياء الشعبية بقوات الشرطة المحلية احتجاجا على ”الغلاء الفاحش للأسعار”، لتشتعل مرة أخرى في الليل مع انتشار أكبر. الجمعة 7/1/2011 م قتل شخص ثانٍ اليوم في مصادمات بين محتجين على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وقوات الأمن، فقد اندلعت اشتباكات بعد صلاة الجمعة في أحياء شعبية بعدة مناطق من البلاد بين قوات حفظ الأمن ومتظاهرين شباب حاولوا قطع طرق وإضرام النار فيها. اتسعت أعمال العنف والمواجهات بين الشرطة ومحتجين على الأوضاع المعيشية فشملت العاصمة وعددا كبيرا من الولايات. وأفادت وكالة الأنباء الجزائرية بوقوع أضرار مادية بالمرافق العامة في بعض المدن، ووقوع أعمال سلب ونهب. وقد قتل الشاب في مواجهات اندلعت مساء في ولاية المسيلة شرق الجزائر عندما اقتحم متظاهرون مركزا للشرطة في بلدة عين الحجل. شملت الاحتجاجات -إضافة إلى العاصمة- مدنا أخرى منها سطيف، البليدة، تيبازة، بومرداس، بجاية، عنابة، برج بوعريريج، تبسة، الجلفة، وهران، المسيلة، قسنطينة، جيجل، البويرة، سعيدة، معسكر وسيدي بلعباس. تعرضت المقرات الحكومية والبنوك ومكاتب الشركات وحتى المدارس والمحلات التجارية للتخريب والحرق، في حين شددت السلطات الإجراءات الأمنية في عدد من أحياء العاصمة ومدن رئيسية أخرى. الأحد 9/1/2011 م إعلان وزير التجارة مصطفى بن بادة أن الحكومة قد تلجأ إلى بسط سيطرتها من جديد على إنتاج واستيراد المواد الغذائية الإستراتيجية، وذلك بعد يوم واحد من تعليق الحكومة الرسوم الضريبية المفروضة على السكر والزيت الغذائي لثمانية أشهر. بدأ الجزائريون يعودون تدريجيا إلى أعمالهم اليوم بعد عطلة نهاية أسبوع شهدت احتجاجات دامية أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وأكثر من 800 جريح، من بينهم 763 شرطي بحسب الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية، إضافة إلى اعتقال نحو ألف شخص. السبت 22/1/2011 م إحباط محاولة لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لتنظيم مسيرة بالعاصمة. ق. س السلطة تنظر ب ”عين الرضا” والمعارضة تحصد ”العمى” سنة أولى تصدعات في إصلاحات ما بعد ”انتفاضة الزيت والسكر” إصلاحات تفريخ الأحزاب السياسية وشرعنة المال الفاسد يكاد يمضي حول كامل عن إصدار رئاسة الجمهورية حزمة إصلاحات سياسية، صوّت عليها البرلمان ”المنتهية ولايته” بعد حول قبله عرف الكثير من الانتظار والترقب على رائحة حرائق الزيت والسكر في جانفي 2011، لتشهد بعدها البلاد ”ولادة” أحزاب جديدة وإجراء موعدين انتخابيين أبانت كلها عن قصر الرؤى في ”رهانات التغيير” التي كانت معلقة على ”خمسة قوانين عضوية”. إعلان الجهاز التنفيذي إصداره خلال الثلث الأول من شهر جانفي 2012 خمسة قوانين تندرج في إطار الإصلاحات السياسية التي رعاها وصوت عليها أعضاء البرلمان السابق، كان بمثابة ”ضوء أخضر” من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لأطياف العملية السياسية على رأسها المعارضة التي انتظرت ”اليوم الموعود” من أجل تبني إحداث التغيير ”الهادئ” بعيدا عما اصطلح عليه ”ربيع عربي”، فتمخض عنه خمسة قوانين عضوية تتعلق على التوالي بنظام الانتخابات، وحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وتوسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، الإعلام، الأحزاب السياسية وكذلك القانون المتعلق بالجمعيات، مع وعود حول تعديل الدستور. وفتحت إصلاحات قيل إن الجزائر دفعت إلى تبنيها ”مكرهة” على خلفية أحداث ”الزيت والسكر” قبل نحو حولين كاملين من الزمن، ”شهية” الكثيرين لتأسيس أحزاب لم تجد وزارة الداخلية بدا في إقصائها من منح الاعتماد بينما وصل تعدادها اليوم إلى 57 حزبا في انتظار المزيد، دخل أغلبها غمار الانتخابات التشريعية والمحلية، مع التنبيه إلى أن ”الكم العددي” لم يكن يعبر بالضرورة عن صورة ”الانفتاح السياسي” الذي أغرق الساحة الوطنية بتشكيلات حزبية ”مستنسخة” عن بعضها البعض وجدت مشكلة حتى في تسمية أحزابها، ومفتقدة إلى برامج واضحة تخدم الصالح العام بعد أن تجل ذلك بوضوح قبل أسابيع من انطلاق حملتين انتخابيتين كانتا كافيتين لفضح مستوى ”ممثلي الشعب”، ما عزز بواعث النفور الشعبي من التوجه نحو صناديق الاقتراع، لتقول السلطة بنحو آخر، إن نسبة ”الأغلبية الصامتة” 55 في المئة بعد ظهور نتائج التشريعيات والمحليات. وفي هذا الصدد، طرحت بشدة قضية تخلي الجهاز التنفيذي عن تمويل المشاركين في الحملة الانتخابية الأمر الذي فسح المجال واسعا لهيمنة ”المال السياسي” أو الشكارة على برلمان ماي 2012 بلجوء أحزاب معروفة لتحويل كرسي النائب أو المير إلى ”سجل تجاري” يعود لمن يدفع أكثر، فضلا عن عدم تحديد مستوى علمي للظفر بالمنصب في سلم الترشح، ما أفرز نوابا خارج سياق حكاية ”تمثيل الشعب”، و”نائبات” -التأنيث مقصود- جاءوا من صالونات الحلاقة إلى صالونات البرلمان بعد دخول 48 منهم قبة الغرفة العليا، في المقابل أحزاب كبرى دفعت الثمن غاليا حين صدت في البرلمان المنتهية ولايته بنودا في القانون العضوي الخاص بالانتخابات تمنع ”التجوال السياسي” تفطنت متأخرة لنتاج ما جنته أيدي نوابهم المرفوعة في البرلمان عقب التصويت ضده وإسقاطه حين تبدت الهجرة الكبرى من الحزب العتيد والأرندي وحمس.. نحو الأحزاب الوليدة على غرار ”تاج غول” الذي خطف الأضواء على مدى أشهر، ارتأى عدم خوض غمار الانتخابات المحلية. هذه الأخيرة تسببت في بروز الانسداد في المئات من البلديات عقب الإعلان عن النتائج وانقضاء المهلة القانونية لتنصيب المير، حيث ثار جدل كبير حول الاحتكام إلى قانون الانتخابات أو إلى قانون البلدية، تدخلت بموجبه وزارة الداخلية لفرض المادة 80 من قانون الانتخابات التي ”عمقت” من أزمة ال ”لا توافق” بين أعضاء المجالس البلدية المنتخبة لتنتهي بعد اللجوء إلى شرط الأصغر سنا، كان البرلمان والأحزاب أحد أسبابه المباشرة بفعل إغفالهم الوقوع في هذه الإشكالية، ونستحضر على ضوء ما طرأ من وقائع في صلب الممارسة السياسية على خلفية تبني الإصلاحات ما جاء مؤخرا على لسان الوزير الأول عبد الملك سلال بصريح العبارة ”أن حكومته ستتولى في العشرين شهرا المقبلة أخلقة الحياة السياسية في الجزائر بلا هوادة”. من جهة أخرى، السلطة تنظر بعين الرضا إلى الإصلاحات السياسية. أمين لونيسي الأحزاب السياسية تعبر عن خيبتها إصلاحات الزيت والسكر ”راحت في كيل الزيت” بعد مرور سنتين عما عرف بأحداث السكر والزيت، التي حركت الشارع الجزائري في جانفي 2011، لم يحدث الكثير من التغيير في الجزائر، باستثناء إصلاحات سياسية أثبتت قوانينها فشلها في الميدان، وامتيازات لصالح البارونات الاقتصادية التي استفادت من تخفيضات في الرسوم، أما الإنجاز الوحيد الذي تحقق من وراء هذه الأحداث هو تحصين الجزائر من موجة ثورات الربيع العربي التي أدخلت الكثير من بلداننا في نفق مظلم لم تستفق منه حتى بعد سقوط دكتاتورات وديناصورات عمرت لسنوات. وحسب شهادات المتتبعين لأحداث السكر والزيت، فإن تزامنها مع موجة الاحتجاجات في تونس المجاورة التي أسقطت الرئيس بن علي، أعطت ملامح عدم وصول عدوى الربيع العربي إلى الجزائر، لأنها كانت مختلفة عن احتجاجات الخامس من أكتوبر 1988 -التي سمتها السلطة بعد جانفي 2011 بالثورة-، من حيث الخسائر البشرية والمادية وطريقة الاندلاع والتحريك، مما أعطى انطباعا بأن نتائجها لن تكون في نفس مستوى ثورة الخامس من أكتوبر وبعيدة عن سيناريو الربيع العربي الذي هب على العديد من دول المنطقة العربية. وتبعا لذلك تتباين نظرة أحزاب المعارضة والسلطة إلى هذه الأحداث، حيث يعتبر القيادي في حزب العمال ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب جلول جودي، أن النتائج المتمخضة عن ثورة السكر والزيت هزيلة ولا تذكر على الصعيد السياسي، لمحدودية نتائج الإصلاحات التي أعقبت تلك الأحداث، وتسجيل فشل في تلبية العديد من مطالب الجزائريين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويفضل جلول جودي، في تصريح ل ”الفجر” تسمية أحداث جانفي 2011 بالمناورات التي صممتها وصنعتها لوبيات لإطلاق تلك الأحداث، تحت غطاء غلاء أسعار المواد الاستهلاكية. وأضاف أن الدولة عجزت عن مواجهة تلك الأحداث، حيث تنصلت من مهامها الاقتصادية والاجتماعية، وتركت ثغرات كبيرة من خلال استغلال أطراف لتنصل الدولة لأغراضهم الشخصية المصلحية. وفي الشق السياسي، يقول نائب حزب العمال، إن جميع القوانين التي جاءت بها الإصلاحات السياسية أثبتت فشلها في الميدان، وعلى العكس من ذلك يعتبر ميلود شرفي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، في تصريح ل ”الفجر”، أن أحداث السكر والزيت، كانت فرصة أخرى للتأكيد أن القيادة السياسية في الجزائر وعلى رأسها رئيس الجمهورية قادرة على الحفاظ على سلامة الوطن أمام أية مناورات لزعزعة الاستقرار الداخلي. وأكد شرفي، أن رئيس الجمهورية كان واعيا بخطورة الموقف، وبادر إلى إلقاء خطابه التاريخي الذي تعهد فيه بإطلاق جملة من الإصلاحات السياسية تجسدت في الميدان، وأخيرا نبّه مصطفى بوشاشي النائب عن جبهة القوى الاشتراكية، أنه لا يمكن مقارنة أحداث جانفي 2011، بأحداث 5 أكتوبر 88 من حيث الطريقة والنتائج، في رده على اعتبار السلطة أن الجزائريين قاموا بثورتهم أو ربيعهم سنة 88. شريفة عابد ما فتئت الأحزاب تؤكد أنها خاوية إصلاحات التسويق للخارج و”البريكولاج” للداخل مرّت سنتان كاملتان عن أحداث الزيت والسكر، ولكن لم تغير تلك الانتفاضة من يوميات الشعب الجزائري الذي بقي متشوقا للتغيير الذي كان يأمل فيه. فكان الربيع العربي الذي عرفته الدول المجاورة بمثابة “نافذة” فقط سمحت للجزائريين باستنشاق رياح التغيير لأن الإصلاحات التي وعد بها الرئيس بوتفليقة لم تكن في مستوى تطلعات الشعب فجاءت مخيبة للآمال، كما اتضح مع مرور الوقت أنها كانت موجهة للاستهلاك الخارجي أكثر من الداخلي كونها لم تعط أي إحساس أو انطباع بأنه حدث تغيير في الجزائر. عرفت الجزائر بداية السنة ما قبل الماضية انتفاضة للشباب الجزائري ثار ضد ارتفاع أسعار السكر والزيت، وهي الانتفاضة التي قال عنها البعض إنها كانت من صنع بارونات الزيت والسكر، وموجهة ضد الوزير الأول آنذاك أحمد أويحيى بهدف الإطاحة به من على رأس الحكومة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن. وحتى وإن كانت هذه الانتفاضة حرّكتها أيادي خفية مثلما تفضل تسميتها “السلطة” والتي استعملت خلالها أسطوانة “ضرب استقرار الجزائر”، وتخطيط خارجي بأيادي داخلية لإحداث “ربيع عربي في الجزائر” إلا أن الواقع المعيشي كان ينذر باحتمال حدوث انفجار شعبي بسبب الغليان الكبير الذي كانت تشهده الجبهة الاجتماعية. ومهما حدث، فإن الجزائر قرّرت بعد تلك الأحداث الانفتاح أكثر وأكثر، من خلال إعلان الرئيس بوتفليقة عن إصلاحات سياسية، بحيث تم إنشاء لجنة بن صالح كما تم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث السكر والزيت فلم يتم توجه أي تهمة لأي كان، فجاءت نتائج اللجنة عادية واكتفت بتوجيه توصيات للسلطة فقط. أما لجنة بن صالح فقد جمعت كل اقتراحات الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية، والتنسيقيات والاتحادات وحتى الشخصيات السياسية والوطنية واستمعت إلى آرائها واقتراحاتها حول مختلف المواضيع التي تهم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخلصت إلى رفع تقرير مفصّل حول مطالب هؤلاء الذين من المفروض أنهم يمثلون كل شرائح المجتمع الجزائري. فجاءت الإصلاحات السياسية مخيّبة للآمال، حيث اتهمت أحزاب سياسية كل من الأفلان والأرندي بإفراغ مشاريع القوانين التي تضمنتها تلك الإصلاحات من محتواها مما أفقدتها مصداقيتها، وحاولت تكييفها لصالحها لكن النتائج التي توصلت إليها بيّنت أن “ما خططت له الأحزاب السياسية ذهب أدراج الرياح”، على غرار قانون البلدية والولاية الذي كان سببا في خسارة الأفلان غالبية المجالس البلدية والولائية”، إلا أن المؤكد أن كل هذه القوانين التي كانت حسب الأحزاب السياسية لاسيما المعارضة منها موجهة للاستهلاك الأجنبي، ويتعين تدارك الوضع أثناء تعديل الدستور كونه الحل الأسرع لتفادي المزيد من تأزم الأوضاع ومزيد من الانسداد في المؤسسات المنتخبة”. مالك رداد قال إن الجزائري لا يثور للبطن، عظيمي ل “الفجر”: “الجزائر مهددة.. فوضى عارمة، طبقة سياسية نائمة ومعارضة غائبة” بعد عامين على ما اصطلح عليها ب “أحداث السكر والزيت” بالنظر إلى التغيرات الإقليمية هل تعتقدون أن اللوبيات الاقتصادية من يقف وراءها، أم أنها كانت فعلا بداية ثورة امتصتها السلطات؟ في البداية، أنا أرفض تسمية هذه الشرارة ب “أحداث السكر والزيت”، لأن الجزائري لا يثور من أجل بطنه، والحقيقة أنها كانت لها خلفية سياسية ولحد الساعة لا نعرف من أشعلها ومن أطفأها ومن استعمل الأطفال كشرارة، والدليل أنه لحد الساعة لم تقدم لنا السلطات نتائج لجنة التحقيق، ولا نعرف حتى مصير من دمروا وأحرقوا وحركوا الشارع آنذاك. ولو سلمنا فعلا بفرضية أن الأطفال خرجوا حينها من أجل السكر والزيت، لكانت هناك ثورات في العام الماضي، الذي سجلت فيه مصالح الأمن تدخلات فاقت التدخلات المسجلة خلال 2011، ورغم ذلك لم يتحرك الشارع، ليبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة السلطات هو من يقف وراء هذه الأحداث؟ في عز الربيع العربي بادرت السلطات إلى إصلاحات، كثيرون يتهمونها بالفشل، في منظوركم، هل فشلت فعلا أم أنها مازالت تحتاج إلى وقت لتقييمها؟ لا يمكن اعتبار ما حدث إصلاحات بأي وجه من الأوجه، سيما وأن من خرج من باب الحكومة عاد من نافذة مجلس الأمة، رغم فشلهم الذريع في تسيير قطاعاتهم، والحديث عن واقع الغرفة السفلي للبرلمان، الذي سيصادق على الدستور القادم أكثر سوداوية، بعد أن أصبح منبرا للأميين والراقصات، لأن الأمر واضح والسلطة تبحث عن برلمان على المقاس تمرر عبره ما ارتأت من قوانين.. لو إن السلطة كانت جادة في إصلاحاتها لبدأت بنفسها بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. الشغل الشاغل للطبقة السياسية اليوم هو تعديل الدستور، في اعتقادك هل سيأتي بالجديد، وهل ستكون هناك عهدة رئاسية رابعة لبوتفليقة؟ الجزائر لا تعاني أزمة دساتير، ولا أحد في الشارع يطرح هذه الإشكالية، خاصة وأن دستور 1996 الذي وضعه اليامين زروال جميل جدا ومتطور، المشكل في الجزائر ليس مشكل تشريعات أو قوانين بل المشكل في التطبيق، لدرجة أن الدساتير في الجزائر باتت مربوطة بالرؤساء، كلما أتى رئيس إلا وجاء بدستور، والدليل عندما جاء زروال استبدل دستور بن جديد، وبن جديد بدوره استبدل دستور بومدين، وبومدين استبدل دستور بن بلة، لتتحول الدساتير للأسف إلى مهزلة، الإصلاح هو التغيير الحقيقي للرجال وليس الدساتير. والتحضير للعهدة الرابعة بدأ منذ الآن، وهناك مؤشرات تؤكد أن هناك عهدة رئاسية رابعة الأولى أن الطبقة السياسية صامتة مما يعني أن كبار الساسة في الجزائر لن يترشحوا ما دامت هناك عهدة رابعة. ثانيا، وزير السكن أعلن منذ أيام أن الحكومة ستوزع مئات الآلاف من السكنات قبل الإنجاز، ما يعني أن السلطات تحاول شراء صمت مئات الآلاف من المواطنين بسكنات لم تنجز بعد. ثالثا، التلفزيون العمومي بدأ منذ أيام يركز على إنجازات الدولة في مختلف القطاعات، وما تضمنه البرنامج الخماسي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. كيف ترون مستقبل الجزائر في ظل المعطيات الإقليمية الراهنة، هل نجحت في تجنب عواصف التغيير، أم أن هناك ربيعا آخر ينتظرها؟ الجزائر مهددة من كل حدودها، سيما الجنوبية والغربية، كما أنها مهددة داخليا، لأن الجبهة الوطنية مشتتة وحري أن نتوقف عند تصريح المدير العام للأمن الوطني الذي أكد تسجيل 9 آلاف تدخل في 2011، والتي تضاعفت العام المنصرم، الأكيد أن هناك إحباط شعبي كبير نتيجة الممارسات اللامسؤولة للسلطة، ويكفي أن نتوقف عند تعليقات القراء في مواقع الصحف، على المقالات السياسية، لتدرك حجم المعاناة، خاصة مع مهزلة مجلس الأمة وما جاء فيه من وزراء عانت قطاعاتهم الويلات. الجزائر مهددة الآن أكثر من أي وقت مضى.. فوضى عارمة.. طبقة سياسية نائمة ومعارضة غائبة تماما، والخوف الأكبر ألا يجد الشعب عندما يتحرك من يؤطره، لأن النظام الذكي هو من يخلق معارضة يحتاجها في الوقت المناسب حتى لا يضطر لأن يواجه الشعب بمفرده. حاورته: فاطمة الزهراء حمادي النائب السابق بالبرلمان محمد حديبي ل “الفجر”: “شباب جانفي خاف على الجزائر والسلطة لم تفهم رسالته” الجزائر تستذكر بعد عامين أحداث ما يعرف ب “السكر والزيت”، كيف تقرأون هذه الأحداث في خضم المشهد السياسي الراهن، وتداعيات الربيع العربي على المنطقة المغاربية؟ للأسف السلطة لم تفهم حراك الشباب في جانفي 2011 بالشكل الصحيح، واختزلته في مسألة الجوع، غير مدركة أن هذا الشباب الواعي كان يلح على النظام كي “يفهم نفسه”، ولم يشأ أن يدخل بالجزائر دوامة الثورات العربية، خوفا من يقطف ثمرة مطالبه المشروعة أناس يتصيدون الفرص ويجيدون الاصطياد في المياه العكرة.. لكن لا حياة لمن تنادي لا عدالة اجتماعية لا حرية للتعبير، والأكثر أن السلطة واصلت وبشكل مفضوح مسلسل التزوير، وكرست برمان المال والأعمال، لتنجب كل خمس 5 سنوات مجموعة من مافيا المال تسيطر على الفعل السياسي في الجزائر. من العيب والعار على السلطات أن تختزل مطالب الجزائريين المشروعة في التفكير في “كرشو” ويغض الطرف عن الحڤرة وغياب الكرامة والديمقراطية. ^ كيف تقيّمون الإصلاحات بعد سنتين من إعلانها في انتظار تعديل الدستور، وهل سيأتي الأخير بجديد في اعتقادكم؟ الإصلاحات فشلت لأن الراعي السياسي لا يؤمن بها أصلا، والحقيقة أن الإصلاحات المعلن عنها لم تكن تريد منها في حقيقة الأمر إلا تفويت الفرصة على الجزائريين للخروج إلى الشارع في عز الربيع العربي، حاولت أن تلتف على مطالبه وتربح مزيدا من الوقت لكي لا تواجه ثورة داخلية، وأنا على قناعة بأن الدستور القادم لن يأتي بجديد، لأن السلطة تؤمن بتوارث الحكم أبا عن جد، ولا يوجد في قاموسهم السياسي التداول على السلطة أو تسليم المشعل. واليوم للأسف النظام يتحايل على الشعب للذهاب إلى عهدة رابعة لتكريس النظام الرئاسي والتهرب من الرقابة التي يكفلها النظام البرلماني الذي يحاسب الرئيس كل خمس 5 سنوات من خلال نوابه. حاورته: فاطمة الزهراء حمادي فيما بقيت قرابة سنة من عمر العهدة الرئاسية الحالية ”كذبة أفريل”.. تعديل الدستور إلى إشعار آخر يعتبر ملف مراجعة الدستور أكبر مشاريع الإصلاحات السياسية التي راهن عليها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه التاريخي 15 أفريل 2011، وهو الخطاب الذي جاء بعد موجة احتجاجات بالشارع الجزائري، لكن لحد الآن لم تبرز معالم هذا التعديل، ولا الكيفية التي يمرر بها سواء باستفتاء شعبي أو تصويت غرفتي المجلس الشعبي الوطني، رغم الانتقادات الشديدة التي جعلته آخر حلقة في الإصلاحات، رغم أن المنطقي البدأ به. هاهي الإصلاحات السياسية التي أجرتها الجزائر منذ أفريل 2011 تقترب من نهايتها، حيث تم مراجعة باقة من القوانين ذات الصلة بالمجال السياسي بالدرجة الأولى ممثلة في قوانين الأحزاب والانتخابات وترقية الحقوق السياسية والتشريعية للمرأة، إلى جانب قانون الأعلام وحالات التنافى مع العهدة النيابية، دون تغيير يذكر على أرض الواقع، حيث لا تزال ما يعرف بأحزاب التحالف الرئاسي ممثلة في جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وبدرجة أقل حركة مجتمع السلم تسيطر على المشهد السياسي سواء في الجهاز التنفيذي رغم استبدال الوزير الأول بشخصية تكنوقراطية ممثلة في عبد المالك سلال. وأفرزت الانتخابات التشريعية ل 10 ماي الماضي ثم الانتخابات المحلية ل 29 ديسمبر المنصرم وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة نهاية السنة، باعتبارها استحقاقات جاءت بعد مبادرة الإصلاحات السياسية نفس الخريطة السياسية لما قبل موجة الإصلاحات، حيث لا يزال الأفلان والأرندي يسيطران على جل المؤسسات المنتخبة. ويبقى مشروع تعديل الدستور السابع من نوعه منذ الاستقلال يكتفه الكثير من الغموض، حيث لم تحدد السلطة تاريخ الإعلان عنه فكل مرة يقال خلال أشهر، بعد اعتراف وزير الداخلية دحو ولد قابلية في آخر تصريحاته والذي لم يكشف بعد عن لجنة التعديل رغم تقديم الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية للجنة المشاورات السياسية لحزمة من المقترحات، لاسيما تلك ذات الصلة بطبيعة نظام الحكم والعهدات الرئاسية، مما جعل الكثيرين يعلقون على الأمر بأنه نسخة من نسخ كذبة أفريل التي تظهر طوال السنة، يحدث هذا في الوقت الذي لم يبق من عمر العهدة الرئاسية إلا سنة واحدة وثلاثة أشهر.