كذبت المديرية العامة للأمن الوطني، أول أمس، الخبر الذي نشرته صحيفة وطنية على صدر صفحتها الأولى، حول الهروب المزعوم لوزير المحروقات السابق شكيب خليل. وجاء في الرد، أن مصالحها لم تتلق شيئا بخصوص المعني من أية جهة من الجهات المختصة تمنعه من مغادرة التراب الوطني. وطبعا أصدق بيان مديرية الأمن، ليس لأنني لا أتمنى أن يوقف شكيب خليل ويقدم للمحاكمة، فهذا أملي وأمل كل جزائري حز في نفسه فداحة الجرم المقترف في حق الشركة الوطنية وفي حق المواطنين، ولا أقول من قبل شكيب خليل وحده، وإنما من طرف الجميع، وأعتقد أن الدائرة واسعة، وما زالت تزداد اتساعا وستضم يوما ما كل الأسماء مهما كانت درجة حصانتها، وإنما لأنه لحد الآن لم يتجرأ أحد ويستدعي الرجل للتحقيق معه، فما بالك بإصدار مذكرة توقيف ضده أو محاولة منعه من السفر. وحتى وإن وجدت هذه المذكرة، فيد الرجل طويلة وسيمر حتما بين أصابع الأمن ويغادر في أمان، ليس بفضل جواز سفره الأمريكي فحسب، وإنما لأسباب أخرى وما أكثر هذه الأسباب عبر مطاراتنا. ولا أظن أن شكيب خليل سيتوقف على الأقل خلال السنة الجارية عن الدخول إلى الجزائر والخروج منها وعبر قاعات التشريفات بمطاراتها، بل سيواصل ما يقوم به بكل طمأنينة، وسيواصل أعماله بالجزائر مثلما كان يفعل بعد تنحيته من الوزارة، وأظنها لا تخرج عن نطاق عقد الصفقات مع الشركات الأجنبية في مجال المحروقات، فمثلما قال لي شخصيا يوم 19 أكتوبر الماضي بمطار هواري بومدين الدولي، إنه هنا من أجل العمل، وما زال يكسب قوته من الجزائر، وهذا هو الحدث في حد ذاته، وليس فقط استدعاؤه للتحقيق أو هروبه المزعوم. فما هي الطريقة التي يكسب بها شكيب خليل قوته بالجزائر؟ وهل ما زال يدير وزارة موازية لوزارة الطاقة، وزارة حقيقية تعقد الصفقات، ووكالة تبيع الفائض من كمية النفط الرسمية في أسواق قبرص وفي أعالي البحار مثلما تؤكده بعض ألسنة السوء؟ ثم لا أظن أن هناك قوة في البلاد قادرة حاليا على ملاحقة شكيب خليل وتثبيت أية تهمة ضده على ما يبدو، فالرجل ما زال قويا رغم ما يقال عنه في الصحافة، حتى وإن كان هناك من يعتقد أنه سيقدم كبش فداء إذا ما احتدمت المعركة على الفساد، لحماية أسماء أخرى أكثر تورطا في الفساد من خليل نفسه... وربما الشارع المتململ اليوم في الجزائر، ومحاولات تحريك شباب الجنوب راجع إلى هذا، وهو أنه ليست هناك نية في السلطة للذهاب بعيدا في ملف الفساد ومحاكمة المتورطين الحقيقيين من عيار خليل. والجزائري بذكائه وبخبرته للواقع يعرف أن محاكمات سوناطراك لن تكون أفضل من محاكمة بنك الخليفة التي نجا منها المتورطون الكبار ودفع الثمن الصغار وحدهم. وكل الخطر هو هنا، فلو تمت معالجة ملفات الفساد التي تعد قضية سوناطراك بالنسبة لها نقطة من بحر، بطريقة حقيقية ومورست فيها سيادة القانون وحده، لهدأ روع الشارع الجزائري، ولقطعت السلطة الطريق على من يريدون التشويش على الداخل، فكل أسباب التشويش وضرب استقرار الجزائر هي هنا، هي بين أيدي القضاة وحدهم، وعلى محك سيادة القانون واستقلالية القضاء...