تحتفل الجزائر غدا بالذكرى الثانية والأربعين لاسترجاع سيادتها على المحروقات. وسيقام الاحتفال على غير العادة في إن أمناس التي شهدت الشهر الماضي أحداثا شدت إليها أنظار العالم. أحداث كانت ستجر الجزائر إلى ما لا تحمد عقباه لولا تدخل الجيش بوضعه حدا للعملية الإرهابية، وحمى المنطقة من الأزمة ومن تدويل الحرب على الإرهاب على التراب الجزائري. قد لا يرقى هذا الاحتفال الذي سيحضره الوزير الأول عبد المالك سلال إلى احتفالية 1971 التي أعلن خلالها الرئيس الأسبق هواري بومدين - رحمه الله - تأميم الجزائر للمحروقات، وبسط سيادتها على النفط إنتاجا ونقلا وتسويقا، لكنه لا يقل أهمية عن هذا الحدث. لكن ما ميز أيضا هذه المناسبة أنها جاءت وسط قلاقل حول الفساد الذي مس قطاع المحروقات، وحديث من الداخل والخارج حول نهب أموال الشركة من قبل كبار المسؤولين السابقين وسرقات بالملايير، وصفقات منحت بصورة تفضيلية لشركات عالمية معروفه بفسادها مثل شركة ”أس أن سي لافالان”، أو شركة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك شيني هالي بارتون. فساد وصلت أخباره والتحقيقات حوله من إيطاليا حتى كندا، مرورا بالجزائر التي كشفت مصالحها منذ أزيد من ثلاث سنوات فساد القطاع، وتورط أسماء ثقيلة فيه، وأجبر وزير المحروقات السابق والرجل القوي في محيط الرئيس على الابتعاد. وما زالت القضية لم تكشف كل الأسماء المتورطة في الصفقات، وإن كان مجرد اقتران اسم رئيس محكمة لاهاي السابق ووزير خارجية الجزائر، محمد بجاوي، بصفقات فساد يثير اشمئزار المواطنين، إذ كيف يسمح شخص أعطته الجزائر كل هذه المكانة ورفعته إلى العالمية أن ينزل بنفسه إلى مستنقع الفساد؟ ولن أتحدث في هذه الفوضى الحاصلة في الوسط الإعلامي والسياسي حول قضية سوناطراك عن رسالة حسين المالطي، لأن الرجل لم يأت بجديد يذكر سوى أنه عاود اجترار نفس الكلام الذي قالته الصحف حول القضية، دون أن يعطي أدلة أو شهادة صادقة عما يقول، زد على ذلك أن الرجل تحدث من ملجئه بالخارج، وهو ما يوحي بنوع من تصفية الحسابات، خاصة وأن الرجل ساند ترشح الرئيس بوتفليقة في 2004، وكان ربما ينتظر أن يعين إما مستشارا أو في منصب ما، لكن الرئيس خيب آماله، ويكون تحدث من موقعه هذا أكثر من كونه إطارا سابقا في القطاع. لا أدري بماذا سيصرح الوزير الأول خلال المناسبة، سواء في قضية الفساد المفتوحة أمام القضاء في الداخل والخارج، أو في شركات الأمن العاملة في مواقع النفط والغاز والتي وجهت لها تهمة التقصير في قضية تيغنتورين، ولا حول الشركات الأجنبية التي قال بشأنها وزير المحروقات أن الجزائر مستعدة لشراء أسهم كل من أرادت المغادرة بعد مقتل الرهائن!؟ لكن ما ينتظره الجزائريون من أي مسؤول جزائري في هذه المناسبة، هو أن تضمن الدولة محاكمة حقيقية في هذه القضية، وأن يتابع المسؤولون الحقيقيون، من وزن الوزيرين السابقين، خليل أو بجاوي، لا أن تقتصر المحاكمة على كباش فداء مثلما حدث في محاكمات سابقة. صحيح أن الموضة لم تعد موضة تأميمات مثلما كان ذلك سنوات السبعينيات لكن لتكون العدالة مستقلة حقا في هذه القضية وتضرب بيد من حديد وتذهب حتى استرجاع أموالنا المسلوبة!؟