يتسم، المسرح الجزائري منذ نشأته منذ أكثر من 50 سنة، بكونه يستند في غالبية الأعمال التي عرضت في إطاره بأنها نصوص مقتبسة من نصوص عالمية تماما كباقي المسارح العربية الأخرى التي تأثرت بلغة موليير نوصه”البخيل”، وتؤكد الذاكرة المسرحية الجزائرية على أنّ أول اقتباس جزائري كان على يد المسرحي محمد المنصالي في عام 1922 بمسرحية ”في سبيل الوطن”، ومنذ ذلك الحين واصل عشاق الفن الرابع النهل من هذه الذاكرة العالمية ليشكلوا في الأخير صورة المسرح الجزائري الذي أكد أهل الاختصاص فيه على أنه يقبع لحدّ اليوم بين المعالج الفنية وأسلوب النص الذي بلور تيمت الفن الرابع في الجزائر.. المسرحي لحسن بتشيش: ”اللجوء إلى الاقتباس للضرورة لا للحاجة” اعتبر الفنان المسرحي بوتشيش لحسن اننا لم نصل الى الدرجة المرغوبة من الاحتراف في بلادنا بالنسبة لاي عمل مسرحي خاصة واننا الى يومنا هذا لم نصل الى المعنى الحقيقي للاحتراف في العمل الفني فهناك اشكالية لازلنا نبحث عن الاجابة عنها وهي هل يمكن اعتبار ان الاحترف يكمن في تقاضي اجر من المسرح ام في العمل الفني والاداء ؟اننا نعيش في غموض في هذا المجال ولهذا يجب ان توضح الامور وعموما- يقول محدثنا- انا ضد الاقتباس وضد المعالجة النصية لاي عمل مسرحي ولكن اللجوء الى الاقتباس للضرورة فقط، يقولون ان هناك كتاب وممثلين ونقاد لا يتعدى 7 الاف فرد على المستوى الوطني اي 7 الاف محترف بالمعنى الحقيقي اين هي اعمالهم اذا، ولماذا نلجا الى النصوص والكتاب من مختلف الجنسيات في العالم ونحن نملك عمالقة من الكتاب وتحف قديمة من النصوص والاعمال الادبية القديمة والتي تعتبر اساطير فنية راسخة في الوجود. مراد سنوسي: ”الاقتباس هو اقتراب حقيقي من المجتمع” يرى مراد سنوسي أنّ عملية تحويل رواية جزائرية إلى خشبة المسرح التي يجيد التعامل معها من خلال تحويل عدد من نصوص رواية واسيني الأعرج إلى الركح وقبله مسرحية ”الصدمة” لياسمينة خضرا، تجربة فريدة من نوعها، ويضيف المتحدث ”لقد شدتني كثيراً، لا سيما من زاوية الاقتباس الحر الذي يقدم حرية معينة في طريقة تناول الرؤية المسرحية للرواية”، ويعتبر سنوسي أن التعامل مع رواية تجريدية لواسيني لعرج أمر صعب والدليل أنني بقيت في كتابتها مدة سنة ونصف، كما أنها استندت على مرجعية نظرية وهي البحث والربط ومحاولة تحويل العناصر التجريدية والخواطر الذهنية إلى حركة مسرحية، والصراحة، يضيف المتحدث، أنني تلقيت المساندة من الكاتب واسيني الذي لم يقم بدور الحارس على روايته بل أعطاني كامل الحرية واحترم وجهة نظري في تناول النص. من هذا المنطلق تبقى عملية الاقتباس مسألة خيارات، ولكن الاقتباس من نصوص جزائرية للمسرح يعني أننا نقترب من المجتمع أكثر، والمقتبس في هذه الحالة تكون مسؤوليته أقل لأن الاقتباس من العالمية هو انتقال من مجتمع وذهنيات معينة إلى أخرى أما في الاقتباس المحلي فالمسألة مسألة أدوات نقل وتحويل لا غير. المسرحي لصغر بخالد: ”عملية الاقتباس في الجزائر هو حاجة ثقافية” يرى المسرحي لصغر بخالد الاقتباس المسرحي ليس عجزا ”ولاهو تعبير عن فقر في النصوص كما أنه ليس ترفا أو ”سعيا” الى التقليد، أنه قبل كل شيء وباختصار،ه ي حاجه ثقافيه موضوعيه تفرضها وحدة الفكر الانساني بكل ما تحتويه هذه الوحده من تضاد وتناقضات والمسرح كواحد من أبرز وأقدم النشاطات الفنية للإنسان يتناول النزعات الانسانية العامة بأنواعها ومكانه يجمع في وحده جدليه بين العام والخاص ولايمكن له أن يكون أصيلا وأن يكون فنا ”خالدا” دون هذا الجمع فهو حين يتناول قيمه انسانية عامة بشكل معزول عن الواقع الاجتماعي أومخالف له أي حين يفقد خصوصيته يغدو نشاطا غريبا” ويكف عن التأثير في نفوس الناس الذين هم نتاج علاقات اجتماعيه محدده. وانطلاقا من ذلك ،فان المهمة الكبرى أمام أي اقتباس مسرحي هي الجمع بين ماهو عام في النص الأصلي وماهو خاص بالواقع، في تراثنا هناك نصوص وروايات واشعار رائعة، وفي الاقتباس لا يمنع ان نتعرف على تجارب الاخرين انا لا اقيد فنان ان يقتبس ولكن ان يطلع على الاساطير القديمة والاستلهام منها ونحن في وقت يجب ان نحترم كل فنان يقف على خشبة المسرح لان العمل الابداعي له قيمة كبيرة حتى ولو قدم نكتة على خشبة المسرح فيجب ان نكن له كل الاحترام والتقدير. الممثل المسرحي بن عبد الله محمد: ”النص المسرحي يرتبط دوما بالنص ولا يمكن أن يكون وثيقا بالعرض” يؤكد الفنان بن عبد الله محمد: ”إن النص المسرحي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعرض، ولم يكن تأليفا بالمعني الدقيق من قبل كتاب مسرحيين، وإنما كان يقوم لهذه المهمة بعض الممثلين أو بعض المخرجين، ولهذا أصبح النص أبعد ما يكون عن النص المسرحي الفني المعروف، فهو عبارة عن فكرة أو مجموعة أفكار مقسمة إلي مشاهد ولوحات، وفي كل مشهد أو لوحة يتحدث الممثلون عن فكرة من هذه الأفكار وهذا ما حاولنا تجسيده من خلال هذا العمل المسرحي.”. حبيب بوخليفة: ”نستعين بالاقتباس لأننا عاجزون عن الكتابة للمسرح” يرى الكاتب المسرحي، حبيب بوخليفة أنّ ظاهرة الاقتباس موجودة في جميع المسارح العالمية، وليست حكرا على الجزائريين فقط، ويمكن أن نقف على العدد الكبير من النصوص التي تم الاقتباس منها، الاقتباس في الجزائر كان مرتبطا بمرحلة معينة، وللعودة إلى معنى الاقتباس نجد أن هناك خلطا في هذه الظاهرة التي يتخذ منها البعض أحيانا سلّما للممارسة الترقيعية في المسرح، وهو الفعل الذي لا يمكن اعتباره اقتباسا بالمفهوم الحقيقي لهذه العملية، التي تعتمد على اقتباس شكل إلى شكل آخر أو نوع إلى نوع آخر. في نظري لا يمكن أن أقتبس مسرحية إلى مسرحية أخرى، لكن ربما يمكن إعادة كتابة هذا النص، أما إعادة اقتباس كل النصوص المسرحية من الفرنسية إلى العربية ثم إلى الدارجة الجزائرية فهو ما اعتبره تشويها للبناء الأصلي للنص المسرحي في رحلته إلى اللغات الأخرى وهي العملية التي تتحول فيه بنية النص الأصلي الذي يصل إلى المشاهد الجزائري بعد أن يفقد جوهره وطاقاته وأفكاره التي ميّزته. لكن الأمر الذي لا يمكن تجاهله في سبب الاستعانة بالاقتباس إلى كوننا عاجزين عن الكتابة - هناك عجز في الكتابة في الجزائر - الكتابة المسرحية لا تعني أن تكتب حوارا نستطيع أن يكون للنشر أو القراءة لكنه لا يمكن أن يرقى إلى أن يكون عملا مسرحيا، فالكاتب الدرامي في المسرح لا بد أن يدرك معنى الصراع كمفهوم حضاري للوجود، تكون لديه رؤية فكرية لكي يصل إلى تجسيد الواقع الإنساني بكل أبعاده الحضارية في صياغته للمسرحية. جمال قرمي: ”لم ألتق بأي اقتباس مسرحي على ركح مسارحنا” يعترف المختص في المسرح، جمال قرمي، أنّ ما يقدم منذ 50 سنة مسرح على الركح الجزائري لم تكن بالنصوص الجيدة كون أن المسرحي الذي قام باقتباس مسرحياته من المسارح العالمية هو لم يقم سوى بجزأرة وترجمة النصوص تلك من لغتها العالمية إلى اللغة العربية واللغة الدارجة والعامية، لذلك لا يمكننا أن نعتبر أن هؤلاء قدموا لنا نصوصا ترقى إلى تطلعات رواد وهواة المسرح، لأن هؤلاء لن يقدموا أكثر مما قدمه الكاتب الأول للنص المسرحي، فهم وإن كانت محاولاتهم جادة فهي لم تقدر على نقل الفكرة والروح الحقيقية للنص، لهذا لا يمكنني أن أعتبر أن تلك النصوص هي نصوص مقتبسة، بل إنني أعتبر عملية الاقتباس هي التي تتم خلال الروايات ليس إلا. فأنت لا يمكنك أن تقتبس مسرحية من مسرحية أخرى؟ أما بخصوص غياب النصوص المسرحية المقتبسة من نصوص كتّابنا الروائيين والقصصيين فهذا راجع في الأساس إلى انعدام الثقة وغياب روح المبادرة بين هؤلاء، فالكتّاب لا يتخلون بسهولة عن عملهم، والكتّاب المسرحيين يميلون أكثر إلى أعمال الروائيين الكتّاب والعالميين، هذا الشرخ بين هؤلاء هو ما غيّب النص المسرحي المقتبس عن أعمال كتّابنا الروائيين، وهو ما غيّب أيضا النص المسرحي الذي يحاكي واقعنا بمختلف تطلعاته وهواجسه وآماله وأحلامه.