هل هو ربيع الثورات على الإسلام السياسي الذي شهدته ليومين متتاليين شوارع إسطنبول ومدن تركية أخرى، ربيع سقطت فيه الأرواح والعشرات من الجرحى والاعتقالات، وأخرج من أجل أردوغان لمواجهته أجهزة القمع، وخطبا شبيهة بتلك التي رددها قبله مبارك وبن علي والأسد، وبدا نظام أردوغان الذي كان يضرب به المثل وأرادوا أن يكون مرجعية لأنظمة الإسلام السياسي، كأي ديكتاتور، يستعمل ما أوتي من قوة وقمع لحماية عرشه؟ وهل صحيح أن ما حدث في تركيا سببه فقط وعي بالبيئة والحفاظ على المحيط أم أنه دليل على احتقان عميق، ولم تكن ساحة تقسيم التي كادت أن تقسم تركيا، إلا الشرارة التي أشعلت النار في البارود، فخرجت الجماهير الغاضبة من رغبة أردوغان في فرض نظام شمولي على تركيا، لوضع حد لهذه النوايا، رافضة أن تتنازل عن مكاسب النظام المدني الذي ارتقى بتركيا إلى مصاف الديمقراطيات العريقة. ها قد هدأت النفوس، ولم يكن الربيع التركي نسخة من الربيع العربي الدامي، الربيع الذي قطع أوصال الدول العربية وأعاد شعوبها إلى العصور الظلامية، ليس لأن أردوغان أكثر ديمقراطية وشعبية من الحكام العرب، فهو رغم أنه جاء عن طريق الصناديق إلا أنه أظهر ردة فعل لا تقل عدوانية عن ردة فعل الأنظمة العربية التي كان يتآمر ضدها ويطالبها بالإصغاء إلى شعوبها والتخلي عن الحكم، بل لأن تركيا الحديثة التي وضع أسسها أتاتورك عندما نزع الطربوش والعباءة العربية، ووجه وجهه صوب الغرب واختار الحداثة وفصل الدين عن الدولة، أعطى المجتمع التركي مناعة من الانزلاق إلى العصور الظلامية بتحريره العقل التركي، فأدخل الدين إلى المسجد وهكذا بنى الأتراك دولة حديثة وقوة اقتصادية وعسكرية يحسب لها الغرب ألف حساب. ولم يخف الشارع التركي من أن يلغي الإسلام السياسي المكاسب المحققة بفضل العلمانية، لأن الأتراك يدركون أن العقل الذي تنور وتفتح في نور الحرية لا يمكن أن يقبل العودة إلى سجن الخرافة الدينية. وهذا ما عبر عنه أمس الأتراك في كل المدن التركية التي هبت ليس فقط للدفاع عن حديقة عمومية كدليل على رقي العقل التركي، وإنما لتقول لأردوغان الذي طالت مدة حكمه وأصبحت تراوده أحلام الخلافة والشمولية، وراح يخوض حربا إقليمية من أجل تحقيق هذا الحلم، لا! تركيا أتاتورك لن تسير معك في هذا الطريق، والدولة التركية لن تكون إلا علمانية بثقافة وهوية إسلامية. ورسالة الشارع التركي القوية هذه موجهة أيضا إلى إخوان مصر وإخوان تونس، وإلى كل الحالمين بخلافة إسلامية يقودها أردوغان، فتركيا ليست أردوغان، تركيا لا شرقية ولا غربية، وقوتها لا تستمدها من رئيس حكومة يقطع اجتماعه ليؤذن في المصلين، بل من مؤسسات ونظام حكم عريق اختاره رجل سابق لعصره لشعبه، لكن للأسف لم يسر العرب على طريقه. فلا خوف على تركيا مما تعيشه طرابلس، أو القاهرة، ولن أقول دمشق لأن وضعها وضع آخر. تركيا عرفت النور ولن تقبل العودة إلى الظلامية؟!