مباشرة بعد نهاية صلاة التراويح تدب الحركة في شوارع العاصمة وتفتح المحلات أبوابها، وينتشر الناس بين الشوارع والمساحات التجارية. محلات مفتوحة، وسائل النقل متوفرة، الحافلات والسيارات في حركة دؤوبة ورجال الأمن عند مداخل العمارات والمترو. وحتى البنوك وشبابيك البريد مفتوحة للناس. والأطفال رفقة أوليائهم يستمتعون بالمثلجات واللعب بالدراجات قرب شاطئ الكيتاني بباب الوادي.. وكأن العاصمة ليست تلك المدينة التي كانت تنام على السادسة مساء في سائر أيام السنة. على عكس المدينة التي كانت تنام مبكرا، تبدو العاصمة في ليالي رمضان متلألئة في أنوارها والحركة المكثفة للناس والبائعين وأصحاب المقاهي والمحلات. تبدو العاصمة ليلا مدينة جميلة تحت أحزمة الأنوار التي تغطي بعض عيوب النهار.. يشكل شهر رمضان فرصة مواتية جدا للعاصمة للتخلص من عقدة السبات الشتوي الذي تدخل فيه على امتداد 11 شهرا، ما جعلها تتصدر ذيل الترتيب في أكثر من تصنيف عالمي. بعض الذين التقينا بهم بمحاذاة مقهى البريد المركزي يرجعون خروج الناس في رمضان إلى وجود المرافق العامة من نقل ومساحات مفتوحة وأمن أيضا، فخالد الذي كان رفقة عائلته يؤكد أن الجزائري، مثله مثل غيره، يحب السهر والخروج ليلا لكن في غياب الأمن يبدو هذا الأمر مستحيلا. زوجته التي كانت برفقته أضافت إلى قوله أن تأثير الأزمة الأمنية على البلاد كانت كبيرة وتركت آثارا نفسية كبيرة وغرست الخوف في قلوب الناس من الحياة الليلية. ما تقوله هذه السيدة كان يبدو في شوارع العاصمة التي تصير مناطق مغلقة ومساحات محررة بمجرد حلول الظلام، لدرجة أن الكثير من المبادرات الرسمية فشلت في إعادة بعث الروح فيها. من مدينة أشباح إلى شوارع الليالي الملاح تزامن رمضان مع عطلة الصيف أعطى العائلات مبررا للخروج ليلا للسهر أو لقضاء الحوائج، خاصة مع ارتفاع درجة حرارة النهار، أو ارتباط بعضهم بالأعمال خلال النهار، مثل محمد الذي وجدناه قاصدا مركز البردي بشارع حسيبة بن بوعلي لاستخراج بعض المال لأنه لا يمكنه القيام بذلك في النهارلارتباطه بالعمل، أو كما فعلت إحدى السيدات التي كانت بنفس الشارع تجول بين محلات الثياب لاقتناء كسوة العيد للأطفال، لأنه يستحيل أن تقوم بهذه المهمة في النهار لأنها مرتبطة بين العمل المكتبي وبين المطبخ. واقتناء الثياب يتطلب وقتا و جولات بين المحلات فاختارت الخروج مع أطفالها ليلا هي تقطن بالأبيار وساعدها وجود حافلات تعمل حتى الواحدة صباحا في التجوال براحة تامة دون التفكير في مشكلة العودة إلى البيت. لا أحد يصدق أن العاصمة التي كانت تنام مبكرا تشهد في ليالي رمضان زحمة لا تطاق، تضاهي أو تفوق زحمة النهار، حيث تصير الحركة مستحيلة في شوارع مثل ديدوش مراد والعربي بن مهيدي والأبيار وباب الوادي. في حدود العاشرة ليلا إلى غاية الواحدة صباحا وفي بعض الأحياء تستمر إلى غاية الفجر، حيث يفضل شبان الأحياء في بن عكنون و الابيار وشاطئ كيتاني بيع الشواء والشاي للمارة، مع إقبال عائلات على محلات المثلجات وبعض الحفلات الفنية، خاصة في مقاهي العاصمة التي تستعيد زمن القعدات والقصائد الشعبية.. حيث تشهد مقاهي باب الوادي وشاطئ الكيتاني يوميا سهرات في القصيد الشعبي، أين يجتمع أبناء الأحياء على أباريق الشاي وقطع القلب اللوز التي تكون كافية لصناعة الفرجة في الأزقة والشوارع، التي تضاف إلى الحفلات التي تقام في قاعتي الأطلس والموڤار، والتي تشهد هي الأخرى إقبالا كبيرا. تشهد شوارع ديدوش مراد والأبيار خاصة اختناقا لا يطاق في حركة المرور وزحمة المارة، لدرجة يجعل الشوارع تبدو فوضوية وحركة السير فيها مستحيلة. قد لا تصدق أن الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل وأنت تسمع أبواق السيارات تطلق أصواتها وهي تحاول اختراق الزحام وإيجاد منفذ من ساحة كندي تجاه شوفالي، روائح المحلات تختلط بزحام الشوارع فتصنع جو خانقا يجعلنا من الصعب أن نصدق أن العاصمة مدينة كانت تنام فعلا على السادسة مساء. النقل والأمن يشجعان الناس على الخروج ليلا خروج الناس للسهر في رمضان مرده إلى توفر وسائل النقل، فحافلات ”إيتوزا” تشتغل حتى الواحدة صباحا والتاكسي الجماعي أيضا يقوم بجولات بين الشوارع والميترو، قدم خدمة للناس الراغبين في قضاء حوائجهم خلال السهرة. فيما يفضل البعض المساحات التجارية مثل إرديس وباب الزوار لتوفر فرصة أفضل للاختيار بين ما يطلبه الزبون، فضلا على كون هذه المساحات تجمع بين الترفيه والتسوق وكذا توفرها أماكن لركن السيارات مجانا. فأغلب سكان العاصمة يشتكون من عدم توفر أماكن لركن سياراتهم، لذا فهم يجدون في هذه المساحات فرصة مواتية لحل هذا المشكل. الجلسات العائلية والخروج رفقة الأصدقاء يصبح مطلب ورغبة أغلب سكان العاصمة في ظل توفير الأمن وتجنيد أعداد إضافية من قوات الشرطة والدرك خلال الشهر الفضيل تحسبا لأي طارئ، ما يجعل مهمة التجوال وشغل المساحات العامة أمر مرغوب من طرف العائلات التي ترى في هذا الإجراء شيئا إيجابيا. والبعض يدعو إلى تعميمه خلال كافة أيام السنة لإعادة الحياة الليلية للعاصمة، وهي شيء لابد منه لأي مدينة كبيرة تحوز لقب عاصمة البلاد.