ومن قال إن نيرون مات، فقد ظهر له أبناء وأحفاد في مصر، وها هم يحرقون الكنائس والمساجد والمكتبات. المصيبة أن هناك من يحمل كيرا ليؤجج نار الحريق، الذي طال معالم الحضارة المصرية، ووصل حتى مكتبة الإسكندرية. من السعودية إلى قطر ومرورا بالصحافة الأمريكية والأوروبية، لا أحد دعا إلى تهدئة النفوس، بل الكل يصفق لكلاب السباق التي شارك بها ولا أقول الجياد، فليس في الساحة المصرية من جياد، غير الكلاب وأبناء آوى. فمثلما كتب صديق على جداره في الفايس بوك، أن التنافس بين قناتي العربية والجزيرة على تدمير مصر بتاريخها العريق، ويكفي القول إن مكتبة القاهرة التي تم حرقها هي أعرق من دولتي قطر والسعودية. فهل ما يريده الإخوان من وراء حرق المكتبات هو محو ذاكرة مصر، والقضاء على كل فكر مخالف لعقيدتهم؟ إن كان هذا هو هدفهم، فقد عاشت أفكار ابن رشد ونسج عليها علماء الغرب وفلاسفته أفكار التنوير التي نهضت بمجتمعاتهم، مع أن إخوان بديع ومرسي في الأندلس حرقوا مكتبة ابن رشد أمام طلبته الذين وقفوا باكين. لنعد إلى المنة الأمريكية على مصر، والمتمثلة في ال1.5 مليار دولار التي تقول عنها إنها مساعدة سنوية تقدمها أمريكا للجيش المصري، في شكل أسلحة، مع أن نسبة كبيرة منها تذهب إلى جيوب قادة الجيش، فهل من تساءل عن سبب هذه “الإكرامية” من أمريكا التي لم تدخر جهدا في تدمير المنطقة؟! هذه المساعدة المزعومة، ما هي إلا رشوة قدمتها أمريكا للجيش المصري في زمن السادات مكافأة له على القبول باتفاقية كامب دافيد، عندما وقعت مصر صلح الخيانة، فأغرق الجيش المصري في الرشوة والفساد. وهذه المساعدة هي بند من بنود الاتفاقية، لا يمكن لأمريكا أن تسقطه دون أن تلغي الاتفاقية برمتها. كم من سنة ونحن ندين هذه المساعدة ونربطها بتخاذل الجيش المصري وموقفه الحيادي مما يحدث في المنطقة، وانسحابه من الصراع العربي الإسرائيلي نهائيا؟! وبالتالي فالأسلحة التي تمنحها أمريكا لهذا الجيش في شكل جزء من المساعدة المذكورة، لا معنى لها، ما دام الجيش المصري مكبلا باتفاقية تمنعه من المواجهة مع إسرائيل. فالمساعدة إذن هي مساعدة لمصانع الأسلحة الأمريكية، التي قالت عنها صحيفة جيريزاليم يوسف الإسرائيلية أمس، أن وقفها سيضر أمريكا نفسها بتضرر صناعة الأسلحة من جراء هذا القرار. لتترك أمريكا مساعدتها المسمومة لها، فهي فرصة لمصر الجديدة كي تنتفض وتكسر قيود التقارب الأمريكي الذي أبعدها عن دورها في المنطقة، ولتبقي ألمانيا وأوروبا مساعدتها الرشوة عندها، فمصر لن تباع بهذا الرخص. ثم هذا الموقف السعودي المؤيد للموقف المصري، وإن كان لا أحد يجهل أنه نابع من تنافس مع غريمتها قطر على دور الريادة في المنطقة، ونابع من دعمها للتيار السلفي المعادي للإخوان، إلا أنه بإمكانه أن يمكن مصر من التحرر من الابتزاز الأمريكي والأوروبي، بتعويض ما تخسره مصر من المساعدات المزعومة، لكن هذا لا يعني أن السقوط في حضن السعودية سيحرر مصر من خطر الإسلام السياسي.