ما إن توقفت تهديدات أوباما وهولاند وزعماء الخليج، بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، معاقبة لها عن ضرب المدنيين بالأسلحة الكيماوية المزعومة، وما إن تنفس العالم الصعداء لتفادي حرب عالمية ثالثة كانت نيرانها ستأكل منطقة الشرق الأوسط وتصل حتى آسيا، ولن تسلم منها أوروبا، وخرج نظام بشار الأسد وروسيا بشبه انتصار على أمريكا وحلفائها، حتى تحولت فصائل جبهة القتال في سوريا، من محاربة الأسد وطلب رأسه، إلى الاقتتال فيما بينها. لا ندري إن كان هذا الخلاف بين فصائل القتال المتطرفة في الأراضي السورية، على اختلاف مسمياتها، راجع إلى اختلاف مموليهم في عواصم أخرى، مثل الرياض والدوحة، وأنقرة من الأحداث السورية، أم أن الخلاف الذي كان مؤجلا إلى غاية القضاء على الأسد انفجر الآن، بين الفصائل الإسلامية على تنوع المسميات التي تقاتل تحتها والراية التي ترفعها؟! بعدما يئست من النيل من الرئيس السوري الذي عاد بقوة إلى المعادلة السورية، ولم تنل منه التهديدات بالضرب التي كانت تريد إضعاف النظام حتى يذهب إلى جنيف الثانية بدون شروط مسبقة، ومن تكفير بشار ونظامه وتحميله كل مساوئ الدنيا، ها هي ما تسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام تستعدي جماعة إسلامية مقاتلة أخرى، تسمي نفسها عاصفة الشام، وتمهلها في بيان شديد اللهجة 48 ساعة (تنتهي المهلة هذا المساء) لتسلم هذه الأخيرة أسلحتها وتتوب بين يدي الدولة الإسلامية المذكورة. ومن جهتها ترد “عاصفة الشمال” ببيان لا يقل تخوينا للأولى وتطلب منها التوبة والانعزال عما سمته “الفرقة الضالة الباغية”، وكلها اتهامات وتخوينات توحي بأن الحرب بين هذه الفصائل ستكون عنيفة ومدمرة، ولا تقل وحشية عن تلك التي كانت تقودها عناصر جبهة النصرة ضد الجيش النظامي التي وصلت حتى أكل الأفئدة، وشيّ الرؤوس. وهكذا تغرق سوريا في موجة جديدة من العنف لن تخرج منها أية فصيلة من الفصائل سالمة، بل سيصل غضبها إلى المدنيين الأبرياء العزل، هؤلاء الذين سيجدون أنفسهم رهينة صراع جديد لن يفكوا طلاسمه قبل أن تنال منهم ناره وتحصد الكثير من الأرواح. وقد حذّر الجيش الحر في سوريا، الأسبوع الماضي، من مخاطر المتشددين الإسلاميين في سوريا من جبهة النصرة، إلى دولة العراق والشام ومرورا بالأسماء الأخرى التي لا يكفي المكان لذكرها، الذي صار يهدد حسبه الثورة السورية، وسوريا بصفة عامة، من أن كتائب من الجيش السوري الحر طلبت من الجيش النظامي السوري الذي كانت تقاتله بالأمس، مساعدتها على محاربة الجيوش الإسلامية المتطرفة، مثلما جاء في صحيفة لبنانية الأسبوع الماضي. من جهته، اتهم الائتلاف السوري المعارض “متطرفين قادمين من الخارج بسرقة الثورة السورية”، قبل أن تكفر به هو الآخر هذه الألوية المقاتلة، وتتهمه بعدم تعاونه بالشكل اللائق مع القوى العسكرية في الداخل، وما إلى ذلك من الاتهامات، والانشقاقات التي حتما ستغرق سوريا في حرب غير مسبوقة بين الفصائل الإسلامية المتطرفة، حرب لن يخرج منها منتصرا إلا نظام بشار، الذي بقي رغم الانشقاقات التي عرفتها صفوفه في بداية الأحداث، متماسكا، بينما دبت الخلافات والانشقاقات بين صفوف المجموعات المقاتلة، تبعا لخلافات مصالح البلدان التي ترعاها وتموّلها، وكلها لا تريد لسوريا أن تخرج من أزمتها الراهنة متماسكة، بل الهدف الأول لها من كل ما خططت له هنا، هو انهيار الدولة السورية، وتفكيك أوصالها، تمهيدا للوصول إلى ضرب قوة إيران من جهة، وحزب الله من جهة أخرى. فبعد أن يئست الرياض والدوحة من توجيه ضربة قاضية لدمشق والتخلص من الأسد وفتح سوريا على كل المخاطر، ها هي تحرك بيادقها عبر فصائلها المسلحة لتدفع بالوضع السوري إلى المزيد من التعفن، ربما بحثا عن أسباب أخرى لتدخل أمريكي غربي!!