الحراڤة مصطلح جديد اقتحم قواميسنا المعاصرة ولم نعد بحاجة لترجمته وهو يترجم نفسه يوميا، فمن إفريقيا عبر الجزائر والمغرب وتونس في اتجاه أوروبا ومن الشرق في اتجاه العالم الأكثر بعدا إلى كندا وأستراليا، وهو اليوم في أندونيسيا وأصحابه من لبنان واليمن والأردن وربما سوريا والعراق وقد قضى العشرات منهم في البحر غرقا، والحراڤة هم الهاربون من الجوع والبطالة والفقر وسوء الحال وإهمال الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء، إنهم يبحثون عن الخبزة ولقمة العيش إنهم يبحثون عن العمل الذي افتقدوه في بلادهم إنهم باختصار يبحثون عن عدالة العالم الغربي وإنسانية أنظمته التي تجعل للبطالين وإن وفدوا إليها بطرق غير شرعية مرتبات ورعاية وتقدم لهم ضمانات، بحيث يتم إدماجهم والاستفادة منهم بعد بعض الوقت وهذا ما لم يتم ولن يتم في ظل سلطات بلادهم التي لا نعرف بما نصفها وبما ننعتها ولا كيف نتحدث عنها، إنها باختصار سلطات لاهية عن مواطنيها فتتركهم للأقدار تتلاعب بهم كيف تشاء ومراكبهم تتقاذفها الرياح وكثيرا ما تقذف بهم في عرض البحر فتأكلهم أسماك القرش وربما الأسماك التي نصطادها ونجعل منها غذاءنا فنلتهمه ونحن نجهل أنه بعض لحم الفقراء الذين تقطعت بهم السبل والتهمتهم الأمواج، بلادنا الأغنى عالميا والأفقر عالميا وتلك معضلة، بلادنا التي تتوجه إليها أنظار الطامحين والطامعين وأبناؤنا يموتون جوعا وبطالة حول أبار النفط والغاز فيها، وهم ينظرون بلهفة وبطونهم خاوية، دول النفط العربية دفعت مليارات الدولارات لتمول وتسلح المرتزقة في سوريا وهي تطرد اليد العاملة العربية منها لتستبدلها بأياد هندية وفيليبينية وآسيوية، أصحاب المليارات المنهوبة المسروقة من جيوبنا يحولونها إلى بنوك الغرب لتصبح من رساميله وحلالة لمشاكله ومن ثم تعاد إلينا كقروض ومساعدات ثمنا لخضوعنا لهم وإمدادهم بالمزيد من خيراتنا، إن الحراقين ومآسيهم تدمي القلوب فعلا ولكننا ننظر إليهم بعين السخط لأنهم مهاجرون غير شرعيين ولا ننظر إلى حكامهم الغير شرعيين، ننظر إليهم على أنهم مخالفون للقوانين ولا ننظر لأطفالهم ونسائهم الذين يتضورون جوعا ومرضا وإذلالا.. أما آن لنا أن نتكلم بألسنة تنصف ولا تجحف ؟ أما آن لنا أن نفكر بعقول تتأمل ووجدان لا يتململ ؟ ولا نخضع لعواطف ضالة ومسلمات جائرة وهمهمات حائرة تائهة ؟ أما آن لنا أن ننظر إلى تلك المآسي التي باتت تتكرر على جميع الأصعدة وعبر مختلف الأقطار العربية والإفريقية لتشكل محنة من المحن الإنسانية ونحن صامتون ومغرقون في الصمت كالبلهاء السذج وكأننا من الصم البكم ؟ نعم آن لنا أن نتكلم من أجل الإنسان دون تعنصر ومن أجل الفقراء دون حڤرة ومن أجل الحراقين دون شماتة فمتى يكون هذا ؟