تصيبني دائما نوبة من الضحك، لما أقرأ أو أسمع تصريحات حول الشأن السوري، بأن حل الأزمة السورية لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، في الوقت الذي تحصد الحرب الدائرة على ترابها يوميا مئات الأرواح، وفي كل يوم تهدم البيوت على رؤوس سكانها. وأضحك أيضا - بمرارة - لما أسمع زعماء المعارضة يزبدون ويرغون، ويلومون أمريكا والغرب لأنه تخلى عنهم ولم يأت بطائراته ودباباته ليهدم ما بقي من جدران واقفة في سوريا، ليتسنى لهم العودة لحكم بلاد سويت مبانيها بالأرض. ولما أسمع المعارضة تتحدث عن توحيد الرؤى والتمسك بالثوابت الرئيسية الكفيلة بالحفاظ على البلاد ووحدة البلد، ووحدة التراب وهم يدركون أن البلد منهار، وأن مخطط تقسيم سوريا لم يعد يخفى على أحد، ويدركون أن تدمير سوريا هو المدخل لتدمير إيران وحزب الله. ومع ذلك يواصلون تآمرهم على بلادهم، ومع ذلك ما زالوا يثقون في أمريكا وأوربا، رغم التقارب والود الحاصل بين أمريكاوروسيا، وبين أمريكاوإيران، التقارب الذي أغضب أيما غضب المملكة العربية الداعمة الرئيسية لميليشيات من المعارضة المسلحة في سوريا. من الغباء أن تعتقد المعارضة السورية بكل أطيافها أن تعطيها أمريكاسوريا آمنة موحدة، فلينظروا إلى أعمدة الدخان المتصاعد من كل شبر من العراق، ليفهموا ماذا تعني الديمقرطية بالنسبة لبلد عربي في المفهوم الأمريكي ولينظروا إلى ليبيا. ثم ما فائدة الحديث عن الوحدة السورية بعد كل الأحقاد التي زرعت بين أطياف المجتمع السوري، وبعد كل ما شهده السوريون من قتل على الهوية؟ لم يبق أمام المعارضة السورية من حل، سواء ذهبت إلى ”جنيف 2” أو لم تذهب، لأنها حتى وإن ذهبت فلن تكون الرابح، لأنها ستدخل جنيف مشتتة الصفوف، والرؤى والأهداف، وليس هناك من يتبنى طرحها ومطالبها لا أمريكا ولا غير أمريكا. ثم من هي المعارضة التي ستأتي إلى جنيف؟ هل هي القاعدة، أم أنصار الشريعة، وغيرها من المسميات العجيبة التي تتدفق من كل كلمة منها أنهار من الدماء؟ فمن ذا الذي يراهن على عصابات مسلحة تعد المجتمع الدولة بالخلافة الإسلامية، وبجهاد لا يتوقف إلا إذا أسلم كل الكون؟ ذهبت المعارضة إلى جنيف أم لم تذهب، فقد خسرت اللعبة، بل خسرتها منذ بداية الانتفاضة السورية، منذ أن تخلت عن السلمية، ورفعت السلاح السعودي القطري في وجه السوريين. فمنذ البداية كان النظام السوري قويا، قويا بعلاقته بدول قوية، وليست تركيا المحسوبة على الإسلاميين، المرفوضة من الاتحاد الأوروبي، من سيرجح كفة الميزان أمام نظام تدعمه ثلاث قوى: الصين، روسياوإيران. ثم هل ستغامر أمريكا بمصالحها مع روسيا ومع الصين من أجل عيون ”داعش” وجبهة النصرة؟! تجربة الثورات المزعومة أثبتت أن توافق أطياف المعارضة من أجل قلب الأنظمة هي أكذوبة، لأن التطاحن على السلطة يؤدي إلى نتائج أسوأ من مساوئ الأنظمة، وبالتالي لم يبق أمام المعارضة إلا إلقاء السلاح والبحث عن حلول للنأي بنفسها. فأموال قطر والسعودية وفنادق خمس نجوم في أوروبا وأمريكا لن تدوم؟!