أكد الدكتور "عامر مصباح" مؤلف كتاب المنظورات الإستراتيجية في بناء الأمن على أن ما يحصل في سوريا هو حرب أهلية وتغير في موازين القوى الاستراتيجية وتغيير إقليمي استراتيجي بين الدول العظمى وأن الأمر أبعد من أن يكون على أساس طائفي أو مذهبي بل هو عنصر تم توظيفه من أجل ذلك، وأضاف وأن العالم متورط في الأزمة السورية التي تحولت إلى حرب إقليمية معتبرا أن الجماعات المتطرفة التي استغلت الوضع ودخلت إلى سوريا أشبه بعرب أفغانستان وقال إن الحل السلمي هو أنجع طريق للخروج من الحرب الأهلية على حسب قوله. أنتم كمختصين في الدراسات الأمنية كيف تقرأون ما يحدث على الساحة السورية ؟ سنتكلم هنا بعيدا عن وصف ما يحدث من المظاهرات والاحتجاجات التي شاهدتها الساحة السورية ، بل الوضع أخطر من ذلك ويجب القول إن ما يحدث في سوريا عموما هو عبارة عن تغير وضع استراتيجي إقليمي يخدم مصالح وأهداف القوى العظمي وهي روسيا و الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا ، وقوى إقليمية مثل السعودية وإسرائيل وهذه الدول تنفق أموالا ضخمة وباهظة على هذه الحرب ،ولعل المعركة التي تدور في القصير بين المعارضة المسلحة والجيش النظامي أظهرت بشكل واضح الصراع الحقيقي الذي تدخل فيه أصدقاء سوريا وهي روسياوإيران وحزب الله وتركيا . بالعودة إلى القصير بالتحديد والمعارك الطاحنة التي تدور هناك ما السبب في رأيكم ؟ القصير التي هدمت تماما والواقعة في محافظة حمص والقريبة جدا من الحدود السورية اللبنانية ذات موقع استراتيجي هام ،والتي تفصل لبنان عن سوريا وهي بمثابة الممر الرئيسي لعبور عناصر حزب الله وسيطرة المعارضة المسلحة على المنطقة تعني أن حزب الله والنظام سيفقدان أحد المداخل الأساسية إلى سوريا فهي ممر عبور الأسلحة، فمعركة القصير تعتبر المعركة الحاسمة والتي ستقود لا محالة إلى معارك أخرى أكثر شدة وعنفا. ذكرتم أن الوضع في سوريا أصبح أكثر تعقيدا هل من توضيح أكثر ؟ صحيح ، بمعنى أن الحرب في سوريا تأخذ أبعادا كثيرة إقليمية ودولية وليست مرتبطة بشعب خرج إلى الشوارع ، أكثر منها تغير في ميزان القوى الاستراتيجي يشمل سوريا ولبنان والوضع مرتبط بالوضع الكوني ودور الروسي في المنطقة ،فروسيا منذ 20 سنة وهي تدخل بقوة عسكرية مباشرة وتقوم بإجراء مناورات بحرية في البحر الأبيض المتوسط تشمل إنزالا برمائيا في طرطوس وتزود سوريا بأنظمة صاروخية والهدف منها كما قال وزير الخارجية الروسية "سرغي لافروف " الحؤول دون تغيير استراتيجي وروسيا بهذه الطريقة لا تريد إلغاء دورها إذا أخذناها من جانب التنافس الكوني يعني تريد أن تقول للغرب إن ميزان القوى تغير ولا تصنع القرارات خارج روسيا ،وإذا أخذناها من جهة حزب الله وإيران فلهم دوافع إستراتيجية وليس إديولوجية والحرب في سوريا ليس لها علاقة بالطائفية حسب رأيه فهي أبعد من ذلك بل إستراتيجية وحرب أهلية لتفكيك سوريا وكشف منطقة الشرق الأوسط. لكن كثر الحديث على أن ما يحدث في سوريا هو حرب طائفية ،الشيعة ضد السنة وهو مشروع طائفي للتوسع في المنطقة وإيران تدافع عن حليفها بشار لأنه من الطائفة العلوية "الشيعية" ما رأيكم ؟ يمكن القول إن الطائفية هي عامل منهجي وظف لتعزيز العامل الاستراتيجي وإيران تعمل على بقاء بشار الأسد في الحكم لأنه من مصلحتها.لكن ما يقال عن أن إيران وحزب الله يعملان بشيء طائفي وأنها تستهدف السنة وغيرها أمر غير صحيح ، كون الوضع أبعد من ذلك و دفع القرضاوي للحديث وتعبئة السنة ضد الشيعة وتأجيج الوضع هو تهديم للبنية السوسيولوجية العربية الإسلامية، وما يحصل في بلاد الشام هو حرب إقليمية بين دول عظمى وسوريا تعتبر مسرحا للحرب. كيف تفسرون إذن دخول مقاتلين إيرانين إلى سوريا بحجة حماية المزارات الشيعية كالسيدة زينب في ريف دمشق مثلا ؟ لا أحد ينكر دور إيران وحزب الله الأساسي في النزاع الأهلي في سوريا حتى أن تصريحات المسؤولين من إيران ومن قيادات حزب الله أكدت ذلك بإرسال من يحمي المزارات الشيعية وإرسال حزب الله مقاتلين في القصير ،لكن لا أعتقد أن ذلك بدافع مذهبي "الطائفية" أو لتشكيل حكومة شيعية بل من ناحية الوضع الاستراتيجي لأن إيران تدرك تماما أن سقوط نظام الأسد سيفتح الأبواب والمجال إلى تدفق النفوذ الإسرائيلي نحو بحر العرب وبعدها تجد إيران نفسها مع إسرائيل وجها لوجه وهذا مالا تريده إيران فهذه الأخيرة تعتبر نفسها مهددة لذا تسعى للحفاظ على نظام الأسد ، فسوريا تعتبر مسرحا لحرب إستراتيجية والدليل على ذلك أنها استعملت طائرات بدون طيار وأدوات تكنولوجية متطورة في القصير بحمص كاستعراض للقوى وحزب الله يدرك ذلك أيضا وهو يساند إيران في قراراتها التي تتخذها والدخول إلى سوريا لحماية المزارات ما هو إلا ذريعة فقط لكن للدفاع عن الأسد وعن مصالحه في المنطقة لأن حزب الله يدرك تماما إن سقط الأسد فإن الدور سيأتيه . بالحديث عن إسرائيل والتي تربطها حدود مع سوريا فكيف تقيمون الدور الإسرائيلي في الأزمة السورية ؟ صحيح ، فإن سوريا تربطها حدود مع إسرائيل من جهة الجولان وهناك تحفظ من الجانب الإسرائيلي من الأزمة اقتصر على الهجمات التي شنتها إسرائيل على سوريا في الأشهر الماضية ، وهي في حقيقة الأمر عملية جراحية قامت بها القوات الإسرائيلية لإختبار مدى مستوى قدرات الجيش النظامي وإمكانياته في المقاومة إضافة إلى نقطة مهمة وهي أن إسرائيل تتحفظ من الأزمة لم تبد رأيها لأنها لا تريد وصول الجماعات الإسلامية إلى الحكم الأمر الذي يهدد مصالحها كون بقاء بشار ضامنا وخادما لإسرائيل ، كما لا ننسى أهداف إسرائيل في مراقبة الأسلحة الكيماوية. وبخصوص الموقف الدولي أو بالأحرى الغربي لا نلمس نية حقيقة في إنهاء الأزمة حتى أن رجل البيت الأبيض يبدى تحفظا كبيرا فلماذا هذا التقاعس في رأيكم ؟ إن الولاياتالمتحدة تخوض حربا بالوكالة في المنطقة كنتيجة لتكلفة الحرب لأنها استفادت من تجاربها السابقة في حرب العراق وأفغانستان كونها تورطت وتكبدت خسائر فادحة ،وهي الآن تستخدم إستراتيجية مغايرة متمثلة في الحرب بالوكالة عن طريق تدعيم المعارضة ومحاولة ضرب وتصادم السنة مع الشيعة وتفادي المواجهة المباشرة مع المعسكر الشرقي روسيا ،وهي لا تريد أن تتحمل أعباء الأزمة ، والعالم متورط في سوريا وأمريكا لم تعبر عن قراراتها تجاه الأزمة السورية لأن أمريكا اكتفت بدعم المعارضة لكن لم تقدم حلولا ناجعة لحل الأزمة العربية وهي في منافسة أمنية مع قوى إقليمية أخرى إذا أخذناها على المستوى الكوني والوضع الاستراتيجي البحت. ماذا عن الدور العربي القطري والتركي فهاتان الدولتان تدعمنان بشدة المعارضة لإسقاط بشار الأسد ؟ الحرب الأهلية الحاصلة في سوريا سببها الرئيسي إقليمي، فقطر وتركيا تبحثان عن النفوذ الإقليمي، قطر تريد أن تأخذ دور مصر وقيادة الدول العربية وتركيا تريد التوسع فبعد أن وجدت الأبواب موصدة في أوروبا لجأت إلى التوسع في الشرق الأوسط. وفي سوريا تعمل على دعم المعارضة والتي تتخذ من تركيا مقرا لها والشعب السوري كان عليه أن يصبر لأن التضحيات والصبر واجبان، بعض الأطراف اتبعت أجندة إقليمية وأخذت البلد إلى الهاوية وأصبح الرابح هو الخاسر. و كان بالإمكان أن تأخذ الأزمة منحى أخر ويسقط بشار الأسد لو لم تتسلح المعارضة ولم تحمل السلاح والذي ضاءل الانتقال السلمي للسلطة وزاد الوضع تأزما وتحولت الأزمة لدى معظم السورين إلى قضية أسدية كما لا ننسى أن حزب البعث السوري متغلغل جدا في مؤسسات الدولة السورية ويسيطر على جميع الأجهزة الأمنية والسياسية في جميع المجالات ولذا الحديث هنا عن إسقاط النظام السوري مستبعد إلا إذا كان هناك تدخل أجنبي كما حصل في ليبيا و ما يحدث في سوريا من جرائم وإن ما يحصل فوق الأراضي هو حرب أهلية وأن الضحايا هم المدنيون والوضع مأساوي، وللأسف فان البنى التحتية لسوريا تم تدميرها وحصل تمزيق في المنطقة سيسيولوجيا ويجب الإشارة إلى نقطة مهمة هي أن معظم الفصائل الموجودة حاليا في سوريا هي مطعمة بالأجانب وهؤلاء المقاتلون الأجانب لا تربطهم أي تجربة، وليس لديهم أهل هناك ولم يتربوا ويترعرعوا في الأرض السورية ولا تربطهم ذكريات هناك بل جاءوا من أجل القتال والتخريب وأرجعوها حربا إقليمية كبرى ،فالجيش السوري يعتبر من الجيوش المحترفة ولديه التجربة كونه خاض حربا أهلية مدتها 15 سنة في لبنان والتي تدخل ضمن العمق الأمني وتم انسحابه قبل ثلاث سنوات فقط وهو مجتمع مؤسساتي متغلغل في المجتمع إلى جانب أنها حرب خاصة في الدراسات الأمنية والجيش السوري كان محضرا لهذه الحرب لأنه كان يدرك جيدا أن موقعه الاستراتيجي سيخلق أزمات في المنطقة لذا كان محضرا والدليل على ذلك أن الجيش وبعد أكثر من عامين لايزال متماسكا على غرار المساعدات التي يتلقاها من أصدقاء النظام. كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مؤتمر جنيف الذي دعت إليه الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا لحل الأزمة فماذا سيحمل في رأيكم في حال انعقاده ؟ مؤتمر جنيف مرتبط بعنصر مهم مدى قدرة الولاياتالمتحدةالأمريكية للضغط على المعارضة والدول والمجموعات لحل الأزمة سلميا ،والضغط الدولي على تركيا وحكومة "اردوغان" فما تشهده بلاده من احتجاجات ومظاهرات مناهضة له تأتي في إطار الضغط عليه أكثر نتيجة دعمه للمعارضة. لأنه رئاسة الأسد انتهت عمليا، والمعطى الجديد أو محور الحديث هو كيفية منع وصول الجماعات المتطرفة بأي طريقة وهذا ما سيركز عليه المؤتمر في رأيي لأن المعارضة إعلامية ولم تقدم أي شيء لحل الأزمة الحاصلة في سوريا ولا أعتقد أن المؤتمر سيحمل الكثير للشعب السوري . الجزائر دعت إلى حل سلمي للازمة منذ بدايتها لكن لم تلق الموافقة الدولية ألا يعتبر هذا خللا في الدبلوماسية الجزائرية التي لم تعد مؤثرة بقراراتها كما في السابق ؟ فعلا إن الجزائر كانت قد دعت إلى الحل السلمي قبل عامين من الأزمة وهذا ما تنادي به بعض الدول حاليا، لكن قرارها لم يكن مؤثرا كفاية لأن الجزائر لو تحركت في طرحها لخلق لنا ربيعا عربيا وهذا ما تخاف منه الجزائر وكتشخيص للوضع أقول إن الحوار هو الحل الوحيد لنجاح البلاد من السقوط أو الانزلاق فالحل العسكري غير مرغوب فيه وسيقود البلاد إلى الهاوية لأ ن هناك جماعات إرهابية خارجية دخلت إلى سوريا و استغلت الوضع وأصبح هناك ما يعرف ب"العرب الأفغان" والذين لا يهمهم شيء ويؤمنون بالعقيدة العسكرية فقط، وفي الحقيقة من الصعب التكهن وتوقع المستقبل لكن في نهاية المطاف النموذج اللبناني أو "طائف اثنان "أثبت وبعد خمس عشرة سنة من النزاع والحرب الأهلية أنه لا رجعة عن الحل السلمي حيث جلس لبنان إلى طاولة الحوار مع كافة أطياف ومكونات الشعب اللبناني أين تم إحلال السلم واعتماد الحل السلمي. معناها يبقى الشعب السوري هو الضحية ويدفع الثمن بسقوط أكثر من مائة ألف قتيل ؟ هذا مؤكد ففي كل الأزمات والنزاعات والحروب يبقى الضحية هم المدنيون الذين تجرهم الحرب معها ولكن لابد من الحل السلمي لوقف حمام الدم .