قدم المفكر العربي، علي حرب، في الكتاب الموسوم ب”الفلسفة الغربية المعاصرة؛ صناعة العقل الغربي من مركزية الحداثة إلى التشفير المزدوج - الجزء الثاني”، الذي ألفه مجموعة من الأكاديميين العرب، والصادر حديثا في ترجمته العربية علي عبود المحمداوي، المفهوم الفلسفي من منظور أبحاث مفكرين وأكاديميين عرب. وأكد الباحث في هذا العمل على أن الفلسفة أضحت تشكل كوناً مفهومياً واحداً، ولكن تختلف عوالمه وقاراته. كما تختلف عصوره ولغاته، أوأصعدته وشخوصه. وهي تشهد انفجارات على أرضها بالذات، أي في الخطابات والنصوص التي هي جسد العقل وأبنية الفكر وخرائط المعنى. إنه انفجار نجم عنه ابتكارات لا سابق لها في عالم المفهوم، بقدر ما نجم تغير في النظرة الى المفاهيم وفي طرق التعامل معها. فلم يعد المفهوم الفلسفي مجرد حجر في بناء، أو مقدمة لقياس، أو نتيجة لاستدلال، ولا يعود مجرد صورة لواقع، أو مرآة لحدث، أو شهادة للحقيقة؛ بل يغدو كياناً له قوته وفاعليته، أي إستراتيجية معرفية، أو رهاناً من رهانات المعنى، أو سياسة لإدارة الحقيقة، أوأداة لتحويل الواقع وصنع المشهد. وهذا الانفتاح على اللامعقول والجسد والصدفة والعلامة، وكل ما كان منفياً من قبل أو مهمشاً أدى الى قلب الرؤية الى العالم، بقدر ما أدى الى تغيير علاقتنا بالأفكار والمقولات أو بالأشياء والكلمات. ومن الأمثلة على ذلك أن الخطاب كان من قبل أداة لنقل المعنى. ولكن بعد أن أصبحت وقائع الخطاب، أي هذه المنطوقات التي لا نكف عن إنتاجها وتداولها مادة للدرس والتحليل. من هنا يأتي هذا العمل الفلسفي الموسوعي الذي جاء نسقه العام بطابع مغاير لأغلب الموسوعات الفلسفية الصادرة باللغة العربية، فهو لم يعمد إلى أن يكون بمعجمية أواختزاليه ووصفية متسرعة، بل كانت دراسات مستفيضة في نصوص كل فيلسوف من نماذج البحث في الموسوعة. وبذلك أمكن تقديم الأبحاث بشكل مقال فلسفي موسع وشمولي، بمعنى الإطاحة بأغلب وأهم، إن لم نقل كل مرتكزات فكرهم منجزاتهم الفلسفية. وهذا المجلد ”الفلسفة الغربية المعاصرة: صناعة العقل الغربي من مركزية الحداثة إلى التشفير المزدوج” بجزئية يقدم للقارئ العربي أكثر من خمسين فيلسوفاً غربياً معاصراً، وبأقلام أكثر من أربعين مفكراً وباحثاً عربياً في مختلف البلدان العربية، فذلك يمثل إنجازاً يسهم في إغناء المكتبة العربية بمرجع أساس لتلافي الثغرات ومناطق الفراغ في مصفوفة بياناتها من الفلسفة المعاصرة.