تراجعت قيمة الصناعة الحرفية بالجزائر لمختلف المنتوجات. ومن بينها صناعة الذهب التي انطفأ بريقها مع اختفاء ورشات الذهب، التي كانت منتشرة في الأحياء الشعبية، كشارع العربي بن مهيدي وأزقة القصبة العتيقة وحي باب عزون، ومدن الجزائر الأخرى. وأصبحت تجارة الذهب بالجزائر في السنوات الأخيرة تشهد حالة من الفوضى ومنافسة شديدة، بعد غزو تجارة الذهب من إيطاليا و تركيا، والتي لا تحمل نفس مواصفات الذهب الجزائري. ”الفجر” حاولت البحث عن الورشات المختصة في صناعة هذا المعدن الثمين وسط الازدحام الشديد الذي تشهده مختلف الصناعات الحرفية في بلادنا. ذهب تركياودبي يستحوذ على سوق الذهب في بلادنا جولتنا بدأت من حي ديدوش مراد بالعاصمة، أين وجدنا محلا في شارع ”جاك كارتيي” به حرفيان يعملان في بيع وصناعة الذهب، وهم إخوة، توارثا هذه الحرفة من والدهما الذي امتهن هذه الحرفة منذ زمن بعيد، حيث يقول أحدهما ”يبقى الذهب أو المعدن النفيس، رغم غلائه والارتفاع المتواصل له، يستقطب اهتمام الكثير، ويظل الطلب عليه معتبرا، لكن خلال السنوات الأخيرة راجت تجارة الذهب المستورد من ايطاليا و دبي و تركيا، ولكن الذهب الجزائري معروف عالميا بجودته، خاصة أنه صنف عيار 24، وبالمقابل تبقى السوق الموازية سيدة الموقف في تجارة وتسويق الذهب بأنواعه، الأحمر والأصفر، وبمختلف درجاته. هذه الأخيرة جعلت صناعة الذهب راكدة و”عجوزة” لا تستجيب لطلبات الناس. ولكن وجدنا عراقيل كبيرة تجعلنا نفكر في غلق هذه الورشة، خاصة بعد أن تعذر علينا الحصول على المادة الأولية بسبب ارتفاع أسعارها بالسوق المحلية على خلفية تقليص الوكالة الوطنية للذهب والمعادن النفيسة ”أجينور” الكمية الموجهة للسوق الوطنية، مع اعتماد سياسة البيع بالمزاد العلني، وهو ما شدد الخناق على الحرفيين، ما جعل العديد من الحرفيين يستنجدون بتجار لاقتناء الذهب، وهؤلاء تجدهم يتفننون في عرض أسعار خيالية يجعلنا نحن الحرفيون نخضع لطلباتهم”. حرفيون يعلنون إفلاس محلاتهم انتقلنا بعدها إلى ورشة أخرى لصناعة الذهب بشارع العربي بن مهيدي، حيث قال لنا صاحبها إن التغييرات التي طرأت على سوق الذهب بالجزائر خلال السنوات الأخيرة أجبرته على تغيير نشاطه بعد أن أفلس محله، وهو اليوم يعمل كبائع لدى أحد أصدقاء والده، حيث لم يدخل ورشة صناعة المجوهرات منذ زمن بعيد. ولكن في السنوات الماضية كانت صناعة الذهب تجد مكانة خاصة لدى الزبائن الذين أصبحوا اليوم يطلبون الحلي الذهبية الكبيرة الحجم، بأشكاله المتنوعة خاصة لدى فئة معينة من المجتمع، وهو حال إحدى السيدات التي التقيناها في المحل، حيث أكدت لنا إنها تعشق الذهب المزركش ذي الحجم الكبير، ليظهرها أمام الناس خاصة في المناسبات والأعراس، وهو في حد ذاته قيمة ومفخرة للمرأة، وهو حال النسوة في الشرق والغرب الجزائري اللواتي تجدهن يتباهين بالكمية الهائلة للذهب التي يلبسونها. محلات تراهن على الذهب المستورد وعن نوعية البضاعة المعروضة في المحل، أشار البائع إلى أن 90 بالمائة منها مصدرها الخارج، في حين يتم جلب المجوهرات التقليدية من أساور وأقراط وسلاسل من تركياوإيطاليا. رفع قيمة ضريبة الدمغ شجع على فتح ورشات سرية وفي هذا الإطار، يقول رئيس اللجنة الوطنية للصائغين إن مشكل الضرائب والرسم على القيمة المضافة، يبقى العائق الكبير لمهنة صناعة الحلي الذهبية بالجزائر، خاصة إذا علمنا أن تكلفة دمغ الحلي المصنوعة بالجزائر تصل إلى 1200 دج، أما الرسم على القيمة المضافة للذهب المستعمل فقد بلغ 800 دج و 12 بالمائة على صفيحة الذهب - حسب تصريح أحد تجار الذهب - وهو ما فتح المجال لإنشاء ورشات سرية تقوم بإنتاج حوالي 40 بالمائة من الحلي الذهبية التقليدية. وحسب الإحصائيات الأخيرة فإن ما بين 30 و40 طنا يتم تداوله في السوق الجزائرية، أي أكثر من ثلث الاحتياطي الذي تمتلكه الجزائر. وتبقى السوق الموازية سيدة الموقف في تجارة وتسويق الذهب.