يبقى الذهب أو المعدن النفيس، رغم غلائه والارتفاع المتواصل له، يستقطب اهتمام الكثير، ويظل الطلب عليه معتبرا. حسب إحصائيات متوفرة، فإن ما بين 30 إلى 40 طنا يتم تداولها في السوق الجزائري، أي أكثر من ثلث الاحتياطي الذي تمتلكه الجزائر. وتبقى السوق الموازية سيدة الموقف في تجارة وتسويق الذهب بأنواعه، الأحمر والأصفر، وبمختلف درجاته. سواء تعلق الأمر بواد كنيس أو مخارج العربي بن مهيدي بالعاصمة أو باتنة وسطيف ووهران، فإن تجارة الذهب تبقى رائجة، وترتبط هذه التجارة بشبكات تمتد على امتداد العديد من المناطق بورشات خاصة تقوم عادة باقتناء المادة الأولية، وخاصة منها ما يتعرف تجاوز ب''الكاسي'' أو الذهب المكسور، أو المادة النهائية المستوردة من عدة بلدان، وخاصة فرنسا وتركيا وإيطاليا وإمارة دبي، لتوضع بعدها في متناول الزبون الجزائري. بالمقابل، بدأت نفس الشبكات في اقتراح عدة أنواع من المعدن النفيس، ولكن أيضا الذهب المقلد والمصقول بماء الذهب، أو ما يعرف ب''بلاكيور''. ويحذر الخبراء من تفشي ظاهرة التقليد والتزوير على نطاق واسع في الأختام والدمغ الذي يصعب التمييز بينه وبين الذهب الأصلي. وتتعدد مصادر تموين السوق الجزائري بالمعدن النفيس، وتتشعب أيضا، ولكنها في المحصلة تتركز في بلدان أساسية مثل فرنسا وتركيا وسوريا والإمارات وإيطاليا. لكن الشبكة الآسيوية حلت أيضا بقوة خلال السنوات القليلة الماضية، ممثلة في الصين والهند وأندونيسيا وماليزيا. ويساهم توسع رقعة التعامل بالذهب في انتشار مظاهر الغش والتدليس والتزوير، مع بروز شبكات تمتد من فرنسا، وإيطاليا، وتركيا وسوريا، ودبي، ناشطة مع شبكات جزائرية في تهريب الذهب والذهب المستعمل ''الكاصي'' وتحويله، ورغم حجز ما بين 20 إلى 50 كيلوغراما سنويا كمعدل من الذهب، لاسيما بسطيف، والمسيلة، والعاصمة، ومدن داخلية أخرى، مع اكتشاف الورشات السرّية، التي تُصنع بطابع أصلي ودمغة عالمية وأختام أصلية، فإن تداول أسواق الذهب يبقى رائجا وواسعا، ومنها في العاصمة، إذ أضحى سوق واد كنيس معياريا ووجهة معلومة للجميع، بنفس قدر سوق العربي بن مهيدي. ويتواصل الرواج مع الارتفاع المعتبر لسعر الذهب في السوق الدولية، حيث تتراوح الأسعار ما بين 1600 و1770 دولار للأونصة أو الأوقية (وهي وحدة قياس للذهب تقدر ما بين 7, 29 و5, 31 غرام). وبينما سجلت معدلات سعر الذهب في السوق الوطنية ارتفاعا قدر ب55 إلى 60 بالمائة ما بين 2009 و2012، حيث ارتفع من 3000 دينار و4000 دينار للغرام إلى 8000 و10 آلاف دينار، حسب نوعية المعدن النفيس، سواء كان من الذهب الأحمر أو الأصفر، من 18 قيراطا إلى 21 و22 قيراطا، وحتى 24 قيراطا، علما أن القيراط هو مقياس نقاوة الذهب، وكلما كان مرتفعا كلما كان الذهب خالصا. الجزائر: حفيظ صواليلي بداية ظهور الحرفة يعود لليهود والسلع الإيطالية تكاد تقضي عليها فالمة سوق رئيسي يزوّد ولايات الشرق بقناطير الذهب بدأت معالم ''سوق الذهب'' تتشكل منذ سنوات بفالمة، قوامها كمية المعدن التي عجز الحرفيون ومصالح الضرائب عن حصرها في رقم، واكتفوا بالقول إنها تقاس ب''الأطنان''، وبعدد الباعة والحرفيين الذي مكّن الولاية أن تكون الأولى وطنيا في ''الصنعة''، وشجع على ظهور صناع ''جدد'' لهم منطقهم مع إحداث ''سوق موازية'' لا تعترف بالرقابة ولا بالحدود الجغرافية، ما جعل فالمة ''حاوية'' ضخمة لمنتجات ليبيا وإيطاليا. 3 آلاف حرفي وسعر الذهب يتأثر بالبورصة العالمية حدثنا الجواهري ''ح.م'' عن بداية نشاطه فقال: ''زاولت المهنة منذ عقدين وعائلتي معروفة بهذه ''الصنعة''، وأحوز على عدة ورشات يعمل بها حرفيون، أحصل على الذهب عن طريق شراء المستعمل منه بمبالغ تفوق 3 آلاف دينار للغرام الواحد، عكس سعره في الثمانينينيات حيث كان لا يتجاوز 700 دينار، وبقي راكدا حتى عام ,2007 حيث عرف زيادة سريعة مع دخول المعدن للبورصة، غير أن الأمر اللافت أن التجار ليست لهم علاقة مباشرة مع البورصة، ولا بالقانون الدولي الساري في هذا الشأن، ومع ذلك فإن أي تطور في سعر الذهب يؤثر مباشرة على سعره في الجزائر، ورغم أن ما يتداول بين أصحاب المهنة هو في حقيقة الأمر ذهب مستعمل، فسعر الذهب مفروض علينا من الخارج. وحذّر محدثنا من الممارسات غير القانونية، حيث أن ''سمة التعامل بالذهب المحلي في فالمة هي الغش، ومع ذلك فالناس مرغمون على الشراء بسبب الأفراح، كما أن سعر الغرام من الذهب المستورد الإيطالي تصل إلى 5200 دينار، و4600 دينار للجزائري. ورغم انتشار صناعة الذهب بالولاية، فإن ذلك لم يسمح لها بتكوين سوق ثابت، وتبقى باتنة المرجع للمطابقة في السعر بين الولايات. وبالموازاة ففالمة هي الرائدة في صناعة الذهب التقليدي من ''الحزام والمقياس أو الأساور، فعدد الحرفيين وصل إلى 3 آلاف، رغم منافسة المنتج الإيطالي، بسبب كواليس العمل التي تبدو كحلقة تبدأ من ذهب الزبون العادي ونقوم بتنقيته، ثم نعيد بيعه له مرة أخرى أو لتجار محليين أو من خارج الولاية. من جهته يقول الجواهري ''ص. كمال'' إن المهنة، في البداية، كانت نزيهة، غير أن الانفتاح جرّ عليها الكثير من الغش، وتسبب في تدهور سوقها. وسمة الحرفة، حسبه، هي الغش نتيجة لإنقاص معيارها،، ومع ذلك يتميز السوق بنشاط كبير، حيث يمول الشرق الجزائري بالمصوغات التقليدية، نظرا للعدد الكبير من الحرفيين والبائعين (1200)، وتليها باتنة، وتتوسع الدائرة لتشمل قسنطينة، وعنابة وسوق أهراس''. ولم يستطع المعني تقدير كمية الذهب الموجودة بالسوق المحلية، لكنه قال إنها تقدر بالقناطير، فبعضهم يحوز 10 كيلوغرامات، مع العلم أن الكيلوغرام الواحد تقدر قيمته ب480 مليون سنتيم ذو العيار 24، ونحن نتعامل بالذهب ذو العيار .18 اليهود هم من أدخلوا المهنة للولاية وأخذها عنهم ''محمد برباري'' أما ''ح. حسان''، فذكر أن الحرفة، في بداياتها، كانت تضم عائلة بن بركان، وبوخاتم وبورياشي. ويعود أصل المهنة بولاية فالمة لبعض اليهود، ممن كانوا ينشطون على مستوى نهج ''عبد الله فرفور''، المجاور سابقا لكنيسة تحولت فيما بعد لمسجد ''العربي التبسي''، وقد أخذ الصنعة عنهم، في البداية، المرحوم ''محمد برباري''، وقام بتعليمها لعدد من الصناع لم يتجاوزوا الخمسة حرفيين، ولذلك تبقى حرفة اليد هي الطاغية بالولاية، وغياب تنظيم للسوق والبورصة ضيع الكثير على سوق الذهب، ومع ذلك تعتبر فالمة الرائدة في الإنتاج وطنيا. زبائن يشكون غلاء سعر الذهب فاضطروا لاقتنائه بالتقسيط بالنسبة للنساء، ممن ترددن على المحلات التي قصدناها، فالأمر شاق، وأول ما يطرحنه هو إمكانية اقتناء أي حلية بالتقسيط. بعض الباعة يقبل والآخر يرفض التعامل بهذه الطريقة، بحجة أن سعر الذهب في زيادة مستمرة، ولا يمكنهم الإبقاء على السعر الاتفاق المبدئي، لذلك تجد المقبلات على الزواج حرجا كبيرا في الحصول على المستلزمات. مصالح الضرائب: الذهب غير المختوم المعروض غير قانوني تحدث رئيسا مفتشية المراقبة والطابع بمديرية الضرائب بفالمة، ل''الخبر''، عن غياب ثقافة اقتناء الذهب المختوم لدى الزبون، وهذا ما ضيع له حقه، كما فقد الحماية ووسع دائرة تعرضه للغش. ففي سنوات قريبة، حسب المفتش ''بلحساب''، كانت عملية الختم تتم بصفة عادية وسعر الختم في الغرام الواحد كان ب160 دينار، وحاليا بمبلغ رمزي 40 دينارا، ومع ذلك فعقلية الزبون لم تتغير، حيث أن نسبة 95 من الذهب الموجودة في ''الفاترينات'' غير مختومة، وهو بذلك غير قانوني، حتى إنه لا يكون من عيار 18، بناء على المراقبة التي تتم، حسب قوله. وأرجع المفتش محمداتني هذا الخرق لقانون البيع لمحاولة الباعة مغالطة الزبائن بتضخيم الفاتورة عند وضع الختم، وهم يتهربون من طائلة التصريح برقم الأعمال والضرائب وعدم التعامل بالفاتورة، رغم التقديرات التي تشير لبلوغ الرقم الملايير، ونصح الزبائن بتحري الحقيقة، فبعض الذهب ممزوج بالرمل ومادة النحاس، لكن الزبون يجهل ذلك، لأن بريق الذهب وحده هو ما يشده. وأشار محدثونا إلى أنه حتى قيمة الذهب معرضة للتلاعب، فالذهب عيار ,18 المصرح به، أقل قيمة ويتراوح عياره بين 12 و14، والزبون لا يعلم ويدفع الثمن كاملا. وبخصوص الفروق بين الذهب المحلي والمستورد، يقول السيد محمداتني إن المستورد يتيح إمكانية إنتاج أنواع كثيرة ومتميزة، والمحلي محصور فيما تنتجه الورشات المعروف ب''الفتلة''، وحتى في الجزائر ظهرت مصانع جديدة وذات جودة عالية، لكن التقليد وغلاء السعر يكاد يقضي عليها، باعتبار أن المنتج المستورد من إيطاليا يكون سعره أقل مقارنة بالمصنوع محليا، خاصة وأن استيراد الذهب ليس ممنوعا، ولكن ما يحصل أن سوق الذهب أفرز آخر ''موازيا'' له يعمل بطريقة غير قانونية''، وأضاف ''لم نحجز سبائك، لحد الساعة، ولكن ما يوجد ب''الفاترينات'' غير قانوني لدخوله التراب الوطني بطريقة غير قانونية''، ومن جهته قال المفتش بلحساب إنه ''لا توجد سوق بالمعنى الحقيقي أو باترونا، ولكن ثمة أطنان من الذهب''. فالمة: م. أم السعد باتنة مملكة الذهب وطنيا بأكثر من 300 ورشة تعتبر باتنة الولاية الأم في صناعة الحلي والمجوهرات على المستوى الوطني، حيث يطلق عليها أصحاب المهنة اسم مملكة الذهب، لتواجد عدد كبير من اليد العاملة بها، ووجود أكثر من 3000 ورشة، حسب بعض الأرقام التي تحصلنا عليها، في وجود عدد من تلك الورشات تعمل تحت غطاء غير قانوني، وتضم بلدية وادي الطاقة، المعروفة عند المجوهراتيين ب''بوحمار'' قلعة الذهب، أكثر من 500 ورشة تشغل كلها شباب المنطقة الذين منهم من يفضل، بعد سنوات من اكتساب المهنة، التوجه لمختلف ولايات الوطن، لفتح ورشات مصغرة لهم، في ولايات وهران ومعسكر وتيارت، ما خلق، بمرور عشرات السنين، شبكة عنكبوتية لتجار صغار وكبار ينحدرون كلهم من هذه الولاية، ومن قبائل جبلية كانت كلها تعيش في بلديات آريس وبوزينة ووادي الطاقة، حيث كانوا يمتهنون، في بداياتهم، صناعة الفضة، لتنتقل الحرفة إلى صناعة الذهب والمجوهرات. وقد أكد عدد من التجار ل''الخبر'' أن ولاية باتنة بها حوالي 300 ملياردير في هذا الميدان، بعدما تحولت بعض الأحياء، التي أصبحت محتلة في السنوات الأخيرة من طرف محلات الحلي والمجوهرات، إلى قبلة للنساء والتجار، على غرار أحياء النصر والشهداء وبوعقال، بعدما كانت وجهة هؤلاء في سنوات الثمانينيات والتسعينيات مقتصرة على محلات وسط المدينة بشارع الإخضرار أو ''لافاردير''، الذي توجد بواجهات محلات به سلع ونماذج تصل قيمتها مليار سنتيم، في وقت وصل سعر الغرام الواحد للذهب إلى 5000 دينار، في هذا الفصل الذي يكثر فيه الطلب على أغلى شيء تحبذه النساء. باتنة: سليمان مهيرة هل تعلم ؟ يقدّر احتياطي الذهب المؤكد في الجزائر بأكثر من 100 طن، ويتركز في منطقة تمنراست بمنجمي تيراك وأمسميسا، وتوجد عمليات استكشاف لتحديد الاحتياطي الحقيقي، الذي يرتقب أن يكون أكبر من المعلن عنه. وتتكفل سوناطراك بالاستكشاف بمفردها، بعد انسحاب الشركة الأسترالية ''جي.أي.أم.أي'' في أكتوبر .2011 وتم استخراج أول سبيكة ذهب جزائرية في جانفي 2008، وبالمعدل الحالي يمكن للجزائر أن تمتلك 5 أطنان سنويا لعشرين سنة، أو 10 أطنان لعشر سنوات. وتمتلك الجزائر أول احتياطي للذهب عام 2012 في إفريقيا، والثالث ما بين الدول العربية بعد لبنان والسعودية، بمقدار 6 ,173 طن، وهو ما يعادل أكثر من 11 مليار دولار، بمستوى الأسعار الحالية، كما تصنف في المرتبة 22 عالميا. قدر إنتاج الذهب في الجزائر عام 2011 بحوالي 1,1 طن، نسبة 20 بالمائة منه توجه للسوق المحلية، في حين يصدر الباقي من قبل المؤسسة الوطنية للذهب، والتي حققت عائدات بقيمة تقارب 40 مليون دولار. الجزائر: حفيظ صواليلي متوسط سعر غرام الذهب في الجزائر 06 - 07 جويلية 2012