قد يكون الطريق الذي يسلكه طفل ما في العالم لطلب العلم سهل، سيما عند الدول المتقدمة التي تعتني بأبنائها رغم قسوة الجغرافيا في بعض الأحيان، لكن في مكان أخر يضطر مئات الأطفال إلى قطع عشرات الكيلومترات للتعلم. إنّها أمثلة لمعاناة تلاميذ من المغرب، الأرجنتين، كينيا والهند، يختصرون معاناة 57 مليون طفل محروم من المدرسة. ”على طريق المدرسة” وثائقي للمخرج جافوي وباسكال بليسون، وكاتب السيناريو ماري كبير، عرض مساء الاثنين بقاعة الموقار، بالعاصمة، ضمن منافسة الأفلام الوثائقية، لمهرجان الجزائر السينمائي، الرابع. سلط الضوء على يوميات أربعة تلاميذ، هم بمثابة نماذج حية للكثيرين، يعيشون واقعا بسيطا وحرمانا بعيدا عن أعين الناس، منهم من لم يسعفهم حظ مزاولة الدراسة. أبطال الوثائقي، هم أطفال أبرياء، زهور غرست في أرض قاسية، يكابدون عناء المشي بين تضاريس محفوفة بالمخاطر للالتحاق بأقسامهم والاستفادة من التعليم، باعتباره مفتاح لحياة أفضل في المستقبل. كما تتحقق طموحاتهم التي طالما انتظرها آباؤهم. اقتفى المخرج باسكال بليسون طريق أربع أطفال إلى المدرسة، منهم الفتاة ”زهيرة” من المغرب ورفيقتيها، ”كارلوس” وأخته من الأرجنتين، الهندي ”صامويل” وأخويه و”جاكسون” الطفل الكيني، رافقهم في رحلتهم الطويلة والشاقة، من لحظة الخروج من البيت عند بزوغ الفجر وصولا إلى المدرسة التي تقع في مكان قصي. لكل منهم قصته وحكايته، رويت في أسلوب تسجيلي، يجعلهم مثال لأقرانهم من المحرومين، وتظهر المفارقات الكبيرة في العالم بين هؤلاء المعذبون الصغار وبين أطفال يتمتعون بتسهيلات في دولهم المتقدمة. رصد المخرج كل تحركاتهم نحو المدرسة، فرافق ”زهيرة” ذات 11 سنة التي تسكن في ريف جبلي بمرتفعات الأطلسي مع أهلها بالمغرب، حيث تقطع كل أسبوع مسافة 22 كيلومترا، بمعدل ساعتين ذهابا ومثلها غدوا، كيْ تتابع رفقة زميلتيها دراستهن في الصف السادس من المرحلة الابتدائية، مضطرة لأن تقطع الشعاب والوديان في ظروف قاسية. وهن يتمشين يستظهرن شيئا من الدروس ويتحدثن عن إقامتهن بداخلية المدرسة، التلميذات الثلاث يمازحن بعضهن البعض لكن الخشية تتملكهن دومًا من إيجاد وسيلة نقل، تقلهن إلى القرية بسبب رفضن الكثيرين إركاب الفتيات معهم. ونفس السيناريو مع الطفل ”كارلوس” صاحب ال11 ربيعا، وأخته الصغيرة في هضاب الأرجنتين، المتاخمة لجبال مكسوة بالثلوج في أغلب فترات السنة، بعد أن يضطر لقطع مسافة 18 كيلومترا يوميا على ظهر الحصان لبلوغ المدرسة، مستعينا بتعويذة أعطاها له أبوه لتحميه من وحوش الطريق. بالجهة المقابلة من العالم في القارة السمراء لا يجد الطفل جاكسون من كينيا سوى الاتكال على قدميه ليسير كل يوم 15 كيلومترا في أدغال قلما ينجو منها أحد بسبب الحيوانات المفترسة المنتشرة في أرجائها، لكن يصر على ارتياد المدرسة ولو على حساب حياته لأنّه يؤمن بأنّ التعلم فرصة من ذهب لتحقيق حلمه في أن يجول العالم ذات يوم. وإلى الريف الهندي صور العمل قصة أكثر مرارة من سابقاتها جسدها الطفل ”صامويل” المعاق القاعد على كرسي متحرك، غير أنّ إعاقته لم تمنعه من دخول المدرسة، فإضافة إلى المرض هناك شبح الطريق الوعرة التي يسلكها، فكيف يجوب كل يوم 4 كيلومترات وهو في وضع صحي مزري فبفضل مساعدة أخويه ينال مقعدا هناك على أمل أن يصير يوما ما دكتورا ويساعد أهله الفقراء. يذكر أنّ المخرج سيقوم بإنجاز فيلم وثائقي ثان تتمة ل”على طريق المدرسة” عن طفلة من الجزائر تصارع من أجل ارتياد مدرسة لتعليم الموسيقى.