هنيئا للتونسيات بالإنجاز الذي حققنه منذ أيام بفرض المناصفة والمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في الدستور، حتى وإن عارض غالبية نساء النهضة بنود المساواة وصوّتن ضدها. وما كان الأمر ليكون مختلفا، ليس لأن النهضة ذات الأغلبية في البرلمان صارت ديمقراطية وتؤمن بالمساواة بين النساء والرجال، فهذا ليس في أدبياتها، والدليل أن نساءها هن من طعنّ في هذا القرار، بل لأن تجنيد التونسيات في كل مواقع النضال، ومنذ “ثورة” 14 جانفي وحتى قبلها هو الذي فرض هذا الوقع على المجلس التأسيسي. فليس هناك مظاهرة أو نشاط سياسي لا تحتل المرأة صفوفه الأولى في تونس، فقد كن حاضرات بقوة في رمضان الماضي خلال الاعتصام في القصبة، وحاضرات في كل المظاهرات التي عرفتها تونس، كن في أولى صفوف قضية سليانة السنة الماضية، وحتى في الجنائز كن هن الأوائل، وصوتهن كان دائما الأعلى. وعي المرأة التونسية هو الذي فرض نفسه أمس على المجلس التأسيسي الذي أقر ولأول مرة في دستور عربي مساواة المرأة بالرجل، هذا المكسب الذي زرع بذوره منذ عقود الرجل الذي قاد المرأة التونسية على طريق الحرية والانفتاح على المستقبل، الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الحاضر الغائب بقوة في كل الحراك التونسي منذ ثورة الياسمين، عبر الأجيال التي تربت في المدرسة البورقيبية. إنه المجتمع التونسي الذي لا يمكن أن يقبل زراعة أعضاء دخيلة في جسده، مجتمع على المكانة العالية فيه للمرأة، حيث لا يمكن للأفكار الوهابية الدخيلة عليه أن تثمر فيه. فالإيمان بحقوق المرأة في تونس ثابت من ثوابت الأمة مثلما هي ثابتة النجمة التي تتوسط العلم. ومهما سعت النهضة وفروعها السلفية لقلب الموازين، فلن تنجح ولن تعيد تاريخ تونس ومنطق الأشياء إلى الوراء، خاصة اليوم بعدما بدأت الأنظمة الإسلامية التي أنجبتها الحركات الانقلابية في “الربيع” العربي في الانهيار وانكشفت حقيقة التجربة التي حاولت أن تكون مرجعية لها، في تركيا بفضائح الفساد المتورط فيها محيط أردوغان ونجله ووزرائه. فظهر النهضة اليوم إلى الحائط، ومهما كابرت فإنها تنتهي هي الأخرى بالسقوط، وسيبني التوانسة ديمقراطيتهم بعيدا عن أموال قطر. مازال الكثير أمام التونسيين للخروج من الوضع السياسي المتأزم، لكن تونس بهذا الانتصار تكون قد وضعت قدميها على الدرب الصحيح؟!