خروج ألمانيا من الحرب العالمية الثانية لم يكن سليما، بل تبعته عواقب وخيمة، جسّدها شبح العنف السياسي وإرهاب اليسار المتطرف وكذا الانشقاق الحاصل بين ألمانيا الشرقية والغربية، أثناء وجود الجدار الفاصل بينهما، حيث يسود التوتر لدى أفراد المجتمع. عاد المخرج الألماني، كريستيان بيتزولد، في فيلمه الروائي الطويل الذي أنتجه سنة 2011، بعنوان ”باربارا”، وعرض مساء أول أمس بفيلماتيك محمد زينات برياض الفتح بالعاصمة، ضمن فعاليات الدورة الثانية لأيام الفيلم الأوربي بالجزائر، المستمرة حتى الفاتح من فيفري الداخل، إلى واقع ألمانيا الشرقية بداية الثمانينيات، وسط تطور ملحوظ للأحداث التي سادها التوتر ومراقبة المخبرين والشرطة لثلة من الأشخاص، الذين يودّون الهروب إلى ألمانيا الغربية، تخلصا من حالة التعسف واللااحترام للحقوق والأخلاق التي تمارس عليهم من طرف حكومة المنطقة، كما تنتشر الاعتقالات في صفوف الشباب، ممّا أحدث شرخا في تعامل الأفراد مع بعضهم البعض، وغابت الثقة في التعامل عن الجميع. فحاول المخرج في زمن قارب الساعتين، كشف تلك الفجوة في سلوك الحكومة مع أفرادها بالمنطقة الشرقية، وإبراز وضع التاريخ الألماني المعاصر سيما في الشق السياسي والاجتماعي، من خلال قصة ”باربارا”، جسدّت دورها الممثلة الشابة ”نينا هوس”، الطبيبة المختصة في جراحة الأطفال، التي تنتقل إلى ألمانيا الشرقية للعمل لأوّل مرّة في أحد مستشفيات بلدة ريفية على مقربة من البحر، وعينها على الغرب، مع تصوير دقيق للمكان والأحداث والحركة زمن فصل الربيع. كما رافقها في الفيلم كل من أوندري الطبيب، ستيلا فتاة تعيش في المعسكرات مجبرة، وعشيق ”باربارا” الذي يأتي لزيارتها خلسة عن أعين المخبرين، إلى جانب أفراد الشرطة. فكشف المخرج كريستيان بيتزولد موقف ”بابرابار” التي تخطط للرحيل إلى الدنمارك رفقة عشيقها المتواري عن الأنظار، وهي المراقبة ليلا ونهارا من قبل الشرطة التي تفتش منزلها بين الفينة والأخرى، حيث لم تكتف بهذا فقط بل تقتحم شقتها وتفرض عليها فعل أشياء تبقى وصمة عار في جبين الحكومة، من خلال إجبارها على التعرية لتفتيشها، بينما زميلها أندري ”المخبر” لم يكن يعرف ما هو مطلوب منه، أيبلّغ أفعالها إلى الشرطة أو يتستر عليها. وفي خضم هذه الأحداث، ”باربرا” تشارك على نحو متزايد في عمل أندري في المستشفى، حيث تربطها صداقة خاصة مع امرأة شابة هربت من معسكر عمل. فبين الإغراء على الفرار والمسؤولية الأخلاقية للمقاومة، تبرز فجوة تبرز نمط المأساوية وحالة المعاناة لبعض الأفراد، مع تمتع البعض الآخر بالرفاهية، مما يوضح الرعب اليومي الذي صوره المخرج بدقة غير مهتم بالجمال المحيط بالمجتمع. مؤكدا على ثلة من الجوانب السلبية التي تميزت بسوء جهاز أمن الدولة البوليسية، حيث يجسدّها في عديد المشاهد على غرار الطبيب أندري الذي فقد وظيفته المرموقة في برلين بعد خطأ طبي وقع لحاضنة مع طفلين، توفيا، حيث أجبرته الدولة على إبقائه هادئا إذا وافق على الانتقال إلى المستشفى الإقليمي والعمل لديه، لذلك بدأ يقدم تقارير كمخبر على الناس المشتبه بهم، وكانت من بينهم ” باربرا”، وهو ما يفسر لنا لماذا راقب الدكتور أندري ريزر وصول باربارا في المشهد الأول أثناء وجوده في الشركة رفقة نفس الضابط الذي يشرف على جهاز أمن الدولة. صورة أخرى تروي تعسف الأمن في حق الأبرياء مثل إقدامها على ركل ستيلا الحامل بطفل، والهاربة من معسكر وفرض عليها الأشغال الشاقة، وأخذها إلى المستشفى بوحشية بالركل والصراخ وغيره، من المظاهر المؤسفة. وفي السياق، تحمل النهاية توشيقا من خلال عودة بربارا التي تفضل البقاء في البلدة، إلى جانب أوندري في المستشفى، وتبطل سفرها إلى الدنمارك، متيحة فرصة الهرب للشابة ستيلا. ليلّمح صاحب العمل في أطوار القصة بأنّ هناك شيئا خاطئا في ألمانيا الشرقية ويمكن لأي شخص الشعور به وتقديم تخمين لتشخيصه. يذكر أنّ فيلم ”بابارا” حاز على جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في مهرجان برلين سنة 2012، وجائزة التنويه الخاصة للجنة التحكيم في المهرجان نفسه، إلى جانب تتويجه بجائزة ألفريد باور في ذات الفعالية قبل سنتين.