أمتعت الأركسترا السيمفونية الوطنية، الجمهور العاصمي، بوصلات وعزف جميل سافر بالحضور إلى زمن العمالقة بيتهوفن وموزار وجوزيف هايدين، وبعث في قلوبهم السكون، وذلك في حفل قادة المايسترو الفرنسي توماس دوبيانكو ورافقه موطنه عازف الكمان ألان أرياس، حيث لم ينفصل الفرح عن طعم الحزن على ضحايا الطائرة العسكرية. الحفل الموسيقي الذي نشطته الأركسترا السيمفونية الوطنية، برئاسة مديرها عبد القادر بوعزارة، كما ألفها محبوها وعشاقها في مواعيد كثيرة، احتضنه المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، سهرة الأحد، وسط حضور قوي للجمهور العاصمي الذي بات يتذوق هذا اللون الفني الكلاسيكي بشكل كبير، سبقته وقفة ترحم على ضحايا حادث سقوط الطائرة العسكرية بأم البواقي، وقاده المايسترو وقائد الأركسترا الفرنسي توماس دوبيانكو الذي لم يتوان للحظة في التألق على الركح من خلال توجيه العازفين طوال مدة الحفل، حيث كانت إشاراته بمثابة بوصلة يتبعها أعضاء الجوق من أجل تقديم الأجود للجمهور ذواق أثبت حضوره وعشقه للموسيقى الكلاسيكية في فعاليات عديدة، أبرزها الطبعة الماضية الخامسة لمهرجان الموسيقى الكلاسيكية، حيث تجاوز إقباله 1000 شخص، في سابقة فريدة من نوعها، احتضنها فضاء مفتوح على الهواء الطلق ومطل على البحر. وشهد الحفل الذي استمر أكثر من ساعة ونصف عزف ثلاث معزوفات رئيسية تخللتها حركات متعددة، أولها تقديم افتتاحية للشهير موزار بعنوان ”دون جيون”، تحكم فيها ببراعة توماس والفرقة، حيث كسبوا بها ودّ الجمهور لمتابعة بقية الحفل، الذي عزفت فيه روائع بيتهوفن مع متابعة لعزف منفرد من ألان أرياس، فكان الإمتاع مع كونسرتو لآلة الكمان والأركسترا في مقام ري كبير، أنجزت سنة 1961، فبين خفض الريتم وزيادته، بقي الجمهور ساكنا وشدّ كامل انتباهه نحو حركات المايسترو وعازف الكمان ألان، الذي سير عزفه تارة ببطء حسب القطعة وتارة أخرى بسرعة تلمح للجوق في زيادة الحماس على آلاتهم. وذلك من خلال تقديمه لثلاث حركات هي ”أليغرو مانو تروبو” و”لارغيتو”، و”روندو أليغرو”، وفي السياق اغتنم ألان فرصة تواجده على ركح بشطارزي ليعزف مقطوعة أهداها للجمهور الحاضر الذي صفق له مطولا، حيث انضم للمجموعة وترك المجال لتوماس لاستكمال الفرجة والمتعة، وأدى له رائعة ”جون سيباستيان باخ”. وتواصل العزف والطرب والسفر إلى الماضي وعبق التاريخ عبر تأدية روائع العملاق جوزيف هايدن من خلال سيمفونية 104، في مقام ري كبير وتلتها أربع حركات قدمت بدقة وانسجام وتناغم ”أداجيو أليغرو، أنادنت، ومينيوتو أليغرو والحركة الرابعة أليغرو سبيريتو. ليكون مسك الختام جزائريا بلمسة أوروبية، حيث عزف الجوق مقطوعة الفنان بلاوي الهواري باستعمال الدربوكة التي تعبر عن تراث الجزائر الغنائي العريق. نالت إعجاب الجمهور الذي يكتشف في كلّ مرة أسرار الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية والعالمية.