بدأت أمس زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الرياض. زيارة ليست ككل الزيارات بعد الهبّات الساخنة على العلاقات السعودية - الأميركية أخيرا. العلاقات ليست على ما يرام في مرحلة الرئيس أوباما. صحيح أن ما يجمع السعودية بأميركا من علاقات ومصالح معقدة أكبر مما يفرقهما، إلا أنه لا مناص من الإقرار بوجود خطْب ما في العلاقات. ليس النفط وحده، ولا التعاون الأمني، هو فقط ما يهم الأميركي من السعودي، فلو مد العاقل النظر لوجد أن للسعودية مزايا تنفرد بها من بين سائر دول العالم، وهي مزايا لا يمكن لأميركا، بل والعالم كله، تجاهلها أو تهميشها. بشكل محدد، السعودية حاضنة الحرمين، مكة والمدينة، وإلى أرضها تتجه قبلة المسلمين في كل أرجاء الأرض، هذه واحدة. والثانية أن السعودية هي قطب الرحى في سوق البترول العالمية، والبترول هو ”دم” الصناعات والتنمية، بل والحياة اليومية في العالم. والثالثة هي أن السعودية دولة تتمتع بموقع يمثل في الجغرافيا السياسية مكانة حساسة بإطلالات واسعة على ذراعي الماء في الجزيرة العربية، البحر الأحمر والخليج العربي، أو الفارسي، سمِّه ما شئت. هي القوس المفتوحة على بر الشام وسواد العراق، وهي القوس المقفولة على تهائم اليمن وعرانين جباله. والرابعة هي أن السعودية ركيزة من ركائز الاستقرار الإقليمي في المنطقة، بما أن النفرة من الحروب والثورات والرغبة في السلام والاستقرار تمثل بوصلة ثابتة في اتجاهات السياسة السعودية، وإن حصل ما يخالف اتجاه هذه البوصلة، فهو فقط من أجل استعادة اتجاهها. الخامسة، والتي هي ما يتفاعل معها الإعلام الأميركي أكثر من غيرها، فهي الدور السعودي الذي لا غنى عنه، في مكافحة الإرهاب، وخضد شوكته، وملاحقة قادته، وامتلاك المهارة والخبرة في التعامل معه، وتكوين ثروة معلومات (داتا) عن هذه الشبكات المتوالدة. سبب الميزة الأخيرة، هو أن جماعات الإرهاب الديني إنما تستهدف السعودية في نهاية المطاف، وهي الجائزة الكبرى بالنسبة لهم، سواء بدعم استخباري من دول إقليمية، أو بمبادرات خاصة من هذه المجاميع، لا فرق، فالنتيجة واحدة. خبرة السعودية في التعامل مع ملف الإرهاب العالمي، أنقذت أميركا، وغيرها من الدول الغربية، من شرور كثيرة كانت تعد لها، باعتراف المسؤولين الأميركان، ومنهم الرئيس أوباما. المشكلة في جحود أو تجاهل كل هذا بالإعلام الأميركي، ولدى كثير من المنسوبين لمراكز البحث في أميركا، والمشكلة الأخطر، لدى مَن لديهم مواقع مسؤولية أميركية، هي اختزال السعودية في بئر بترول وسماعة هاتف استخباراتية! ربما تكون زيارة الرئيس أوباما للرياض، فرصة ليسمع بشكل واضح طبيعة الرؤية السعودية، المتناقضة مع رؤية أميركا الأوبامية، خصوصا تجاه كارثة سوريا وخداع إيران وهياج جماعة الإخوان، عوضا عن سماعها ممن لا يدري أو ينطوي على ضغينة تجاه السعودية. خطاب (جوزيف ويستفال) سفير أميركا المزمع تعيينه في الرياض، في الكونغرس الأميركي، لا يجعل المرء يشعر بكبير تغيير في المقاربة الأوبامية لمنطقتنا. إن غدا لناظره قريب.