تطرح ثلاث جبهات منفصلة مشاريع تغيير سياسية، الأولى تتعلق بندوة الوفاق الوطني للأفافاس، والثانية بمشروع تنسيقية الانتقال الديمقراطي، والأخيرة المشاورات التي سيقودها أويحيى لوضع دستور توافقي. والأمر المشترك في مشاريع الأقطاب الثلاثة هو افتقادها لقاسم التلاقي، كون كل طرف يتمسك ويدافع عن أجندته السياسية للوصول للتغيير بمفاهيم مختلفة لكل قطب. إذا عدنا للسياق الزمني لطرح مبادرات التغيير، فإن حزب جبهة القوى الاشتراكية هو من دشن الساحة السياسية في هذا المجال، وذلك في إطار تطبيقه لتوصيات المؤتمر الخامس للحزب الذي عقد تحت شعار التغيير السلمي بعيدا عن دماء الربيع العربي. وفي هذا الشأن يقترح الأفافاس عقد قمة إجماع أو وفاق وطني، يشارك فيها الجميع، أي الطبقة السياسية بجميع تشكيلاتها وتياراتها اليسارية الاشتراكية والعلمانية والديمقراطية والإسلامية، والسلطة كطرف أساسي في النقاش، لصياغة التصورات الخاصة بالشق السياسي، أما الشقين الاجتماعي والاقتصادي، فيشارك في صياغتهما، حسب ما أكده السكرتير الأول للحزب للصحافة في مناسبات سابقة، النقابات المستقلة لجميع القطاعات، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، منظمات الباترونا وجمعيات المجتمع المدني، لتتوج تلك النقاشات بصياغة مسودة تعدل وتنقح، لتشكل فيما بعد الدستور الأساسي للبلاد، يمرر بواسطة استفتاء شعبي، بالإضافة إلى إعادة انتخاب المجالس المنتخبة. والفكرة التي يدافع بها الافافاس عن مقترحاته مقارنة بمشروع تنسيقية الانتقال الديمقراطي، هي أنه لا يذهب إلى قمة الوفاق الوطني بأجندة مسبقة، وإنما يتم تحديد المواضيع والاتفاق حولها داخل القمة، قناعة منه بأن توجيه النقاش مسبقا مصادرة للنقاش وضد الانفتاح. تنسيقية الانتقال الديمقراطي تقود مشروع ”سانت إيجيديو” آخر بإشراك ”الفيس” المحل من جهة أخرى، فإن ما يميز مشروع التغيير الذي ترفعه تنسيقية الانتقال الديمقراطي هو مقاطعتها المسبقة للمشاورات التي دعت إليها السلطة الخاصة بتعديل الدستور بطريقة توافقية، وهذا قبل اطلاعها على المشروع الذي سيقدمه الرئيس، كما أن مجموعتها تقتصر على خمسة أحزاب، هي حمس، النهضة، العدالة والتنمية، جيل جديد والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فضلا عن انفرادها بضم وجوه من حزب ”الجبهة الإسلامية للانقاذ” المحل لمشروعها. والجديد الذي يميز مشروع التغيير لدى التنسيقية هو تجاوزها الخلاف الإيديولوجي، خاصة بعد أن وضع أنصار سعيد سعدي أيديهم في أيدي الإسلاميين، قناعة منهم أن التغيير يتطلب بعض التضحيات، وأن يصان حق الأقلية في مادة دستورية واضحة، ما يجعل مشروع تنسيقية التغيير الديمقراطي يتطابق وقمة ”سانت إيجيديو”، كونه القطب الوحيد لحد الآن الذي أشرك أنصار الفيس المحل في مشروع التغيير، رغم أنهم محظور عليهم ممارسة السياسة. أويحيى أمام امتحان لتجنب ”فشل” بن صالح في 2001 من جهتها، تقود السلطة مشروع الدستور التوافقي، أكبر مشروع للرئيس خلال العهدة الرابعة، ونصب لإدارة المشاورات السياسية مدير ديوانه أحمد أويحيى، الشخصية التي رفضها البعض على غرار النهضة، العدالة والتنمية، وحمس، فضلا عن رفض تشكيلات سياسية كالأرسيدي وأحزاب ديمقراطية، الانخراط في المشروع قياسا بما تم التعامل مع الاقتراحات التي قدمتها لعبد القادر بن صالح، في المشاورات التي قادها سنة 2011. وعلى الرغم من أن للرئيس حلفاءه التقليدين، الأفالان والأرندي وحزب العمال والاتحاد العام للعمال الجزائريين وجمعيات الزوايا وأعيان الجنوب، فضلا عن شركائه الجدد، كحزاب المستقبل، حزب عمارة بن يونس، وحزب غول، إلا أنه يحتاج إلى إضفاء شرعية على مشروعه من خلال جر المعارضة للمشاركة، وهو الامتحان الذي سيواجهه حتما، لتجاوز المعارضة التي فرضت نفسها كقوة فاعلة.