موسوليني يزرع البأس... ويرفع الكأس نجاح الدورة الأولى كان كافيا لترويج هذه المنافسة التي كثرت طلبات استضافتها إلى درجة أن الاتحاد الدولي لم يتمكن من تعيين صاحب شرف احتضان الدورة الثانية، إلا بعد ثمانية اجتماعات مطولة انتهت باختيار إيطاليا يوم 8 أكتوبر 1932. وقد كانت للزعيم الفاشي آنذاك بنيتو موسوليني بطروحاته المتطرفة يد في اختيار إيطاليا بعد أن وفر كل المتطلبات لإثارة حفيظة الاتحاد الدولي، وكذا الإعلان عن تطلعه لاستغلال استضافة بلاده للمونديال لخدمة توجهاته السياسية، وكان له ذلك حيث حددت الفترة من 27 ماي إلى 10 جوان 1934 كموعد للنهائيات التي سبقتها هذه المرة مرحلة التصفيات، والتي شملت حتى البلد المنظم الذي لعب ضد اليونان ليتأهل رفقة 15 منتخبا دون حامل اللقب منتخب الأوروغواي الذي رد بالمثل على أوروبا وتلعب الدورة مباشرة بطريقة خروج المغلوب، لتجد نصف المنتخبات المشاركة نفسها خارج المونديال بعد خسارة المباراة الأولى. وما أثار الاهتمام هو أن المنتخبات غير الأوروبية وجدت نفسها خارج المنافسة لتكون المواجهات بداية من الدور الثاني بين أبناء القارة العجوز لا غير، وفيها ابتسم الحظ لكل من تشيكوسلوفاكيا، ألمانياوالنمسا، أما إيطاليا فقد استفادت من محاباة زائدة عن اللزوم ولم تتمكن من تجاوز إسبانيا إلا بعد لعب مباراة ثانية، وفي مباراتها ضد النمسا سجلت هدفا مثيرا للجدل وبه حققت انتصارا عجيبا، مما جعلها تلقب بالمنتخب العجيب. وقبل المباراة النهائية تمت برمجة أول مباراة ترتيبية في المونديال وجمعت الجارين ألمانيا ضد النمسا وفازت الأولى 3-2 ليكون النهائي بين البلد المنظم وتشيكوسلوفاكيا أمام جمهور قياسي، وفي مقدمتهم موسوليني. ورغم ذلك فقد استمات التشيكيون وأكثر من ذلك فقد افتتحوا النتيجة في الدقيقة 70 عن طريق بوكش، ولم يتمكن الطليان من التعديل سوى بعد حمام بارد، ليتم اللجوء لأول مرة للوقت الإضافي، وفيه لعبت اللياقة البدنية دورا هاما في تحديد الفائز الذي كان إيطاليا بعد تسجيلها لهدف التتويج الذي جعلها غارقة في فرحة كبرى، فيما ابتهج موسوليني بالنصر لكونه سمح له ولفاشيته بالتغلغل أكثر فأكثر. البطاقة الفنية للمباراة النهائية(إيطاليا 2 - تشيكوسلوفاكيا 1 (بعد الوقت الإضافي) يوم 10 جوان 1934 ملعب روما الدولي، جمهور غفير حوالي 60 ألف متفرج الحكم: أكليندا من السويد الأهداف: أنتون بوكش (د70) لتشيكوسلوفاكيا رياموند أورسي (د81)، أنجيلو شيافيو (د95) لإيطاليا التشكيلتان: إيطاليا: جيامبيرو كومبي، إيرالدو مونزيغلو، لويجي اليماندي، أتيلو فيراريس، لويس مينوتي، لويجي بيرتوليني، هنريك غويتا، غوسيب مييزا، أنجيلو شيافيو، جيوفاني فيراري، رياموندواورسي. المدرب: بوزو تشيكوسلوفاكيا: بلانيكافرانتيسك، لاديسلاف رينيسك، جوزيف سيتروكي، جوزيف كوستاليك، ستيفان كامبل، رودولف كيرسل، فرانتيسك جونيك، فرانتيسك سبودان، جيري سوبوتكا، أولدريتش نجيدلي، أنتون بوكش. بعد إلغاء نظام المجموعات استهجان كبير لنظام البطولة تقرر في هذه الدورة إلغاء نظام المجموعات وعلى عكس النظام الذي أجريت به البطولة الأولى والبطولات الحالية بتوزيع المنتخبات إلى مجموعات تلعب مبارياتها بطريقة الدوري من مرحلة واحدة، وهو النظام الذي وضعه الفرنسي روبير جيران أول رئيس للاتحاد الدولي لكرة القدم، قررت اللجنة المنظمة للبطولة الثانية توزيع المنتخبات الستة عشر إلى ثمانية ثنائيات تلعب بطريقة خروج المغلوب، وهو نظام غريب وغير عادل، لأن منتخبات جاءت من أقصى الأرض وقطعت آلاف الكيلومترات ودعت البطولة بعد أن خاضت مباراة واحدة فقط، ومثلما كانت الولاياتالمتحدة آخر الواصلين كانت أول المغادرين، إذ أوقعتها القرعة في مواجهة البلد المضيف إيطاليا، وإذا كان الإيطاليون جاملوا الأمريكان حين منحوهم فرصة اللعب أمام المكسيك والمشاركة في البطولة، فإنهم لم يرحموهم في المباراة الافتتاحية التي جرت بحضور موسوليني الذي أبلغ اللجنة المنظمة واتحاد الكرة الإيطالي بأنه لن يرضى بغير الفوز بالبطولة مهما كان الثمن، وسحق الطليان منافسيهم الأمريكان 7 - 1 وهي أغزر مباراة في البطولة من حيث الأهداف علماً أن الهدف الأمريكي الوحيد سجله لاعب مهاجر من أصل إيطالي هو بترو دونيللي. سجل 5 أهداف وساهم في بلوغ النهائي أولدريتش نيجيدالي هداف وصانع ألعاب ممتاز نجح مهاجم منتخب تشيكوسلوفاكيا أولدريتش نيجيدالي في ترك بصمة له ولمنتخب بلاده في أول مشاركة لهما بالمونديال، حين كان العقل المدبر الذي أوصل تشيكوسلوفاكيا للدور النهائي الذي خسرته على مضض أمام البلد المنظم، إلا أنه توج كهداف لدورة 1934 برصيد خمسة أهداف، كما اختير كثالث أفضل لاعب في كأس العالم وكان في تشكيلة أفضل فريق في بطولة عام 1938. تعديل قوانين الهجرة لضم أمهر اللاعبين 3 أرجنتينيين ساهموا في تتويج الطليان أقحم موسوليني أنفه في عالم كرة القدم، فبعد أن كانت له الكلمة الحاسمة لاختيار إيطاليا لاحتضان الدورة الثانية من نهائيات كأس العالم، فقد تدخل أيضا لتعديل إيطاليا قوانين الهجرة لتسمح للاعبين المقيمين في إيطاليا من الجنسيات المختلفة بالاشتراك مع فريقها. والطريف أنه كان مع منتخب إيطاليا أحسن 3 لاعبين من فريق الأرجنتين وبهم حققت إيطاليا باكورة ألقابها لتكون أول منتخب أوروبي يحرز التاج العالمي. ليقينهم من أن موسوليني قادر على فعل أي شيء منتخب تشيكوسلوفاكيا أحضر معه مؤونة لتفادي المقالب الإيطالية أبدع منتخب تشيكوسلوفاكيا في أول مونديال لعب بأوروبا، ولولا ديكتاتورية موسوليني الذي كان أول من يغرق كرة القدم في مستنقع السياسة، لكان بالإمكان أن تعرف الأمور منحى آخر، وإذا كان هذا المنتخب قد اكتفى بالوصافة ميدانيا ولم يكن في الإمكان أحسن من ذلك، فإنه خارج الملاعب احتاط لكل شيء وتجنب مقالب الديكتاتور الفاشي، حيث أحضر لاعبو التشيك طعامهم معهم خوفا على أنفسهم من أي مقالب غذائية إيطالية، لأنهم كانوا يدركون تمام الإدراك أن إيطاليا خططت للاحتفاظ بالكأس بكل الطرق. ردا على عدم حضور إيطاليا في الدورة الأولى بطولة دون بطل... ! كان منتخب أوروغواي إلغاءب الأكبر عن الدورة الثانية، ذلك أنه رفض الحضور ردا على عدم مشاركة إيطاليا عندما استضاف النسخة الأولى، ليدخل حامل اللقب سجل الأرقام القياسية بصفته الفريق الوحيد الذي لم يدافع عن لقبه طوال تاريخ البطولة. سجل 13 هدفا في مجموع التصفيات والنهائيات عبد الرحمن فوزي نجم حجب كل النجوم شاركت مصر في مونديال إيطاليا 1934 وقد لعب نجمها عبد الرحمن فوزي دور البطولة المطلقة في التأهل لهذه النهائيات، حيث واجه الفراعنة في التصفيات منتخب فلسطين ونجحوا في التغلب عليه ذهاباً وإياباً بنتيجة 7 - 1 في القاهرة، 4 - 1 في القدس، ونجح عبد الرحمن في إحراز جميع أهداف المنتخب المصري في المباراتين بواقع 11 هدفاً، وواصل عبد الرحمن فوزي تألقه مع المنتخب، حيث قاده في المونديال أمام المنتخب المجرى، وانتهت لصالح الأخير بأربعة أهداف مقابل هدفين، وكان الهدفان من نصيب عبد الرحمن فوزي أيضا، ليصبح بهما هو هداف مصر في المونديال، بل وأول لاعب مصري وعربي وإفريقي يحرز هدفاً في هذا المحفل العالمي ووقتها أختير من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم في التشكيلة المثالية للمونديال، شاغلاً مركز الجناح الأيسر. نوستالجيا خضرا معلق مكسيكي تولع بالخضر وطالب بإلغاء هدف البرازيل ! حظي المنتخب الجزائري في مشاركته بمونديال 1986 بمحاباة مكسيكية خاصة جدا، فأبناء الأزتيك كانوا قد أطلقوا على الخضر اسم ”برازيل إفريقيا”، وهذا بعد العروض الراقية التي قدمها الخضر في مونديال إسبانيا وكذا لأنهم كانوا من المنتخبات القليلة التي تأهلت لمونديال المكسيك دون أي خسارة في التصفيات، ولهذا فقد وقف أصحاب ”السامبريرو” مع الخضر وشجعوهم في كل المواجهات خاصة في المباراة الثانية ضد البرازيل، حيث كانوا يرهنون على أن يعيد الخضر ملحمة خيخون ويطيحون بجارهم البرازيلي، ولم يقتصر وقتها التشجيع على الأنصار فحسب، بل امتد حتى لمعلق المباراة في التلفزيون المكسيكي الذي تفاعل مع كل هجمات الخضر، وأثنى كثيرا على ما قام به رفقاء مغارية، ونزع قبعة الاحترام للحارس الصنديد نصر الدين دريد، وأكثر من كل هذا فإنه في لقطة الهدف الوحيد في المباراة لم يطلق الصرخة الشهيرة التي كانت تنبعث من حناجر معلقي تلك الفترة، خاصة من القارة الأمريكية بإعلان الهدف، بل بدا مصدوما من تمكن مهاجم السحرة كاريكا من استغلال سوء التفاهم الذي حصل بين المدافع مجادي والحارس دريد. وقال عبارة شهيرة تداولتها مختلف وسائل الإعلام العالمية جاء فيها: ”أيها الحكم إن كنت عادلا حقا فلا تحتسب هذا الهدف أيعقل أن نحاسب طفلا بريئا على غلطة بريئة... !” هكذا كانت الجزائر محبوبة وهكذا كان منتخبنا مستحسنا من مختلف الأجناس. باسم زغدي مع الشعبية الكبيرة للمسابقة إقرار إقامة التصفيات بمشاركة البلد المنظم ! ازداد عدد الدول الراغبة في المشاركة فيها، ولذلك ظهر للمرة الأولى نظام تصفيات يتأهل بعده 16 منتخبا للمشاركة في النهائيات، ولم يستثن أي منتخب من خوض التصفيات بما في ذلك منتخب البلد المضيف، الذي اضطر إلى مواجهة اليونان ونجح لحسن حظه في اجتياز منافسه 4 - صفر لأنه لو خسر لكانت أول بطولة يفشل فيها المضيف من المشاركة في مبارياتها. وقبل بداية الدورة تقرر ”لأسباب جغرافية” أن تلعب المكسيك مباراة إضافية مع جارتها الولاياتالمتحدة وفاز الأمريكان 4 - 2 في المباراة التي قادها الحكم المصري يوسف محمد والتي جرت يوم 24 ماي 1934 أي قبل ثلاثة أيام من انطلاق البطولة، وبدلاً من المشاركة في النهائيات تحول لاعبو المكسيك إلى المدرجات وتابعوا المنافسة مع المتفرجين. أصداء من الدورة أسرع هدف جاء في الثانية (30) عن طريق الألماني ليهز مرمى النمسا. أقوى هجوم في هذه البطولة هو هجوم المنتخب الإيطالي حيث سجل (12) هدفاً في البطولة منها (7) في أول مباراة أمام أمريكا. أضعف هجوم هو هجوم البرازيل، رومانيا، الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أحرزوا هدفا واحدا لكل منهم. شهدت البطولة إقامة 17 مباراة سجل فيها 70 هدفاً أي بمعدل (4.12) أهداف في كل مباراة. لعبت في هذه البطولة 17 مباراة انتهت جميعها بفوز أحد الطرفين على الآخر ما عدا لقاء واحد انتهى بالتعادل في ^ الوقت الأصلي والإضافي، وتمت إعادته في اليوم التالي وكان هذا اللقاء بين إيطاليا وإسبانيا في الدور ربع النهائي. أهدر البرازيلي دي بريتو ركلة جزاء في المباراة أمام إسبانيا، فكان أول لاعب يضيع ركلة جزاء. يعد الحكم المصري يوسف محمد أول حكم عربي في نهائيات كأس العالم. استغرقت الدورة 15 يوماً من 27 ماي إلى 10 جوان 1934.