قال مراسل ال”نيويورك تايمز” في بغداد الأسبوع الماضي إن ثمة تفكيرًا في أن يحل أحمد الجلبي مكان نوري المالكي في حكم شظايا العراق. ويملك الجلبي مقعدًا واحدًا في البرلمان العراقي هو مقعده، غير أن الحسابات الديمقراطية في العالم العربي لا تخضع لأي قاعدة. في أي حال، لم يكن هذا أهم ما ورد في الرسالة من بغداد، بل قول المراسل إن ”السفارة التي كانت مغلقة الأبواب في وجه الجلبي عادت تستقبله من جديد”. يوحي ذلك بكل بساطة أن ”السفارة” لا تزال تشارك في صنع سياسات العراق. وأما مجلة ”نيويوركر” فتذكر، أيضا بكل بساطة ومباشرة، أن باراك أوباما هو الذي انتقى نوري المالكي رغم ما قدمت إليه ”السفارة” من تقارير عن ماضي الرجل السياسي. أي أن تاريخ الرجل لا يمكن إلا أن يفضي إلى حاضره: التنكيل برجال السنّة من رفاقه في الحكم، وإهمال الأكراد بفجاجة سيئة، وإهمال حصص وحقوق الآخرين إهمالاً كليًّا. كرر المالكي تجربة صدام حسين في اضطهاد الشيعة، ولم يخاطب الأكراد إلاّ بالوعيد. واتخذت عملية التطهير الطائفي في عهده أوسع وأسوأ مظاهرها. الرجل الذي أرسل على ”تويتر” رسالة تقول إنه - لا سواه - ”صاحب فكرة انسحاب القوات الأميركية” لم يَرَ غضاضة في استقبال خبراء عسكريين أميركيين من جديد. و”السفارة” هي التي تتولى التحضير لذلك فيما يقلب أوباما الحلول بروية وأناة، على أساس أن لا شيء عاجل في العراق. تقتضي الحقائق القول إن هم أوباما الأول كان إنقاذ أميركا والعراق من مهرجان الجنون الذي قاده جورج دبليو بوش. لكن إدارة العملية أوقعت العراق في ما هو امتداد لسوء الاحتلال وليس خروجًا منه. أحد معالم الأزمة كان اختيار المالكي. تقول هيلاري كلينتون في مذكراتها ”خيارات صعبة” إن أعمق ندم شعرت به هو الندم على اقتراعها في مجلس الشيوخ إلى جانب ضرب العراق. لكن الندم لا يعيد البلدان ولا يحيي الموتى ولا يعوِّض الخسائر. وندم أوباما اليوم على عقد الشراكة مع المالكي لا يصحح شيئًا في ما آلت إليه أوضاع العراق. كان يُفترض بعد الانسحاب الأميركي أن يتولّى الحكم رجال ائتلافيّون عاقدو العزم على إعادة بناء الوحدة. لكن الذي حدث هو دفع مكوّنات العراق الأساسية في اتجاه الهرب من العنت والغطرسة والاضطهاد، حتى لم يعد بعض العراقيين يجد ضيرًا في رفع لواء ” داعش”.