هل سمع خليفة المؤمنين أبو بكر البغدادي دوي القنابل في غزة؟ وهل وصلته أخبار الشهداء والمفجوعين، والبيوت التي تهدم على سكانها هناك؟ أم أنه فقط مشغول بعدد الحوريات التي سينالها في جنته الموعودة؟ لا القاعدة ولا النصرة ولا داعش وخليفتها الذي يدعو المسلمين إلى الهجرة إلى دار الإسلام وضعوا في مخطط “تحريرهم” لأرض الإسلام تحرير فلسطين، وفك بيت المقدس من مخالب الصهيونية، فهي لا هم لها إلا الذبح والصلب والسبي. فداعش لن تضع أبدا في أهدافها إسرائيل، ولم تدع يوما إلى الجهاد فيها، وربما لهذا لم يقلق أمرها أمريكا، فهي تعرف أنها لن تستهدف مصالحها ولن تستهدف خاصة إسرائيل فهي الأخرى صنيعة المخابر الأمريكية تماما مثل القاعدة، وهي اليوم تزرعها في العراق وسوريا وكل منطقة الشرق، مثلما فعلت بالقاعدة سنوات الثمانينيات لتطويق روسيا والصين، التي بدأت في المشرق تهدد مصالح أمريكا، وهي ما صدقت أنها تخلصت من الوجود الروسي في أفغانستان بزرعها القاعدة وطالبان في هذا البلد، قبل أن تحوله هذه الأخيرة إلى كومة من تراب وتعرضه إلى احتلال أمريكي غربي مزمن. لم يعد يهم العالم ما يحدث في غزة، فالعرب الذين كانوا مجرد ظاهرة صوتية لا تحسن إلا النحيب والإدانة قطعت الثورات المزعومة ألسنتهم، سواء في البلدان التي شهدت الفوضى، أو تلك التي تحاول تفادي إثارة غضب أمريكا حتى لا تفعل بها ما فعلت بسوريا والعراق وليبيا. إنه زمن الانهزام العربي، فالأمة العربية التي صنعت في مخابر “لورانس العرب” لفصلها عن الدولة العثمانية، لم تعد تصلح عليها تسمية الأمة، فلم يعد لبلدانها أهداف تجمعها وتناضل من أجلها، بعد أن صارت بعض بلدانها تتآمر على بعضها الآخر، وتسقط أنظمتها الأنظمة الأخرى، وتزرع الميليشيات وتمولها وتسلحها من أجل إشاعة الفوضى خدمة لمشروع غير مشروعها. ستبقى غزة التي فصلت عن جسد فلسطين الجرح النازف الذي تستفز به إسرائيل وحليفتها العرب، وتجرب هل بلغوا حد اليأس المطلوب، وها هم يبلغون حد اليأس، ويغسل الجميع بمن فيهم سلطة الضفة أيديهم من غزة وسكانها ويتركونهم فريسة لحماس من جهة ونيران إسرائيل من جهة ثانية. ومثلما ضحى الشريف حسين، وشريف مكةبفلسطين وتنازل عنها لبريطانيا لتقدمها وطنا لليهود، يتنازل العرب اليوم عن دعمهم للقضية الفلسطينية برمتها وليست فقط غزة النعجة الشاردة التي افترسها الذئب. انتهت الخلافة الإسلامية العثمانية بالتضحية بفلسطين، وتعود الخلافة المزعومة، الخلاقة الافتراضية من العراق، مقابل التضحية بغزةوبفلسطين. فهذه الخلافة ليس لها مشروع حضاري للمسلمين، فلن تشيد المدن ولا المدارس ولا المستشفيات ولن تبني الأبراج والجسور والسدود. إنها خلافة لإشاعة الفوضى والدمار وتشتيت القوى العربية والإسلامية، والهدف واحد، لا يختلف عن بدعة أو أكذوبة الأمة العربية التي أعطانا إياها لورانس.