يعتبر شهر رمضان بالنسبة للكثير من الجزائريين شهر الصيام والعبادة، كما أنه ومن جهة أخرى يعني لأناس آخرين شهرا للربح السريع والرزق الوفير حيث يحتلون أجزاء من أرصفة الطرقات وممر الراجلين، ليقوموا بنشاط غير قانوني على حساب التجار الفعليين الذين يدفعون رسوم ضريبية، والخطر الكبير لهذه الظاهرة أنها تهدد حياة المواطنين بسبب تعرض السلع المعروضة لساعات طويلة تحت أشعة شمس حارقة، مما يعرضها للتلف بسرعة. من التجار من يعرض بعض الحلويات التقليدية المعروفة خلال هذا الشهر ومنهم من يقوم بنصب طاولات خاصة لبيع المشاوي فتتحول الأرصفة بذلك إلى مطاعم للأكل السريع ومسرحا للجراثيم والبكتيريا. سلال الخبز وسط الغبار ودخان السيارات من النادر أن يجد المواطن ما يحتاج إليه من الخبز ابتداء من الساعة السادسة مساءا فما فوق، حيث تتوقف اغلب المخابز عن النشاط في ساعات مبكرة، رغم حاجة المواطنين إلى هذه المادة الحيوية في حياتهم اليومية، بالنظر إلى اعتماد الجزائريين الكبير على مادة الخبز في غذائهم، وهو ما يضطر الكثيرين إلى التوجه نحو سلال الخبز المعروضة خارج المخابز، حيث لا زالت ظاهرة بيع الخبز على الأرصفة والطرقات، عبر مختلف الأحياء الشعبية بقسنطينة الظاهرة الأكثر شيوعا، التي يمكن ملاحظتها كل مساء، حيث تنتشر سلال الخبز على حواف الطرقات وفوق الأرصفة. وبما أن الأمر يتعلق بمادة ترتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا بصحة المواطن الجزائري، فقد يتساءل الكثيرون عن سر استمرار الظاهرة رغم المخاطر الصحية والأضرار المترتبة عنها بفعل عرضها وفق شروط غير صحية بالمرة في الهواء الطلق وسط الغبار ودخان السيارات، كم هائل من الجراثيم المنتشرة في الهواء وعلى الأرضية التي يتم وضع سلال الخبز عليها، حتى ولو حاول بعض الباعة وضعها على دعامات خشبية أو صناديق لرفعها عن الأرض، وإيهام المواطن بأنها بعيدة كل البعد عن مصادر التلوث والخطر، مع أن الأمر لا يتعلق فقط بالأوساخ والقاذورات وما يتم إلقاءه على الأرض، بل أيضا بما هو منتشر في الهواء، وما ينبعث من السيارات والمركبات والحافلات الكثيرة المارة على تلك السلال طيلة ساعات طويلة، إضافة إلى الأيادي الكثيرة التي تلامس الخبز وتنتقيه، وأيادي الباعة الملوثة. ويختلف تعامل المواطنين مع الظاهرة، بحسب الثقافة الاستهلاكية التي يتمتع بها كل منهم، ففي حين يمتنع بعضهم كلية عن اقتناء الخبز من على الأرصفة مهما كلفه الأمر، لا يجد آخرون بديلا ثانيا له، نتيجة عدم استمرار عمل المخابز إلى ساعات المساء، ولذلك يضطرون إلى اقتنائه من الأرصفة، لتغطية حاجتهم لمادة الخبز لتلك الليلة. يقول السيد ”ب. محمد” من حي العربي بن مهيدي” حارتي تنتشر بها بصورة كبيرة ظاهرة بيع الخبز مساء على الرصيف المقابل للسوق والدلالة، أنهم في أوقات كثيرة لا يجدون أمامهم إلا هؤلاء الباعة لتغطية حاجتهم من الخبز، خاصة في فصل الصيف، إذ من الصعب شراء ما يكفي العائلة من الخبز بما انه لا وجود مخابز تشتغل لما بعد الساعة السابعة، فإنهم يقتنونها من لدى باعة الأرصفة”. شواء متبل بروائح كريهة وفي سهرة من سهرات رمضان الشيقة قامت الفجر بجولة في بعض شوارع قسنطينة على غرار حي بوالصوف ،وسط المدينة، وحي عواطي مصطفى أين كانت هذه الأخيرة مزدحمة بالناس نظرا للطافة الجو واستغلال السهرات الرمضانية، لكن ما لاحظناه أثناء جولتنا روائح الشواء التي كانت تنبعث من هنا وهناك تسيل اللعاب وتدغدغ الأمعاء فاعتقدنا أننا سنظفر هناك بسندويتش من النوع الرفيع، لكن حين بدأنا نقترب من مصدر الرائحة شيئا فشيئا وبالتحديد في حي بوالصوف صدمنا بمشاهدة شواي يشوي النقانق على الجمر وفي الطريق العمومي بمحاذاة قناة للصرف كانت تعبر من وراء الطاولة التي كان ينصبها لشواء النقانق عليها، لكن الغريب في الأمر أنه رغم أن بائع الشواء كان يطبخ بطريقة نتنة إلا أن توافد الزبائن عليه كان كبيرا، وكأنهم جياع لم يفطروا في منازلهم عند أذان المغرب، غير مبالين بقذارة المكان الذي كانوا يأكلون فيه، كأنهم يأكلون في مطعم من خمسة نجوم لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، فلم يكن الزبائن فرادى بل كانوا جماعات من الأصدقاء بالإضافة إلى هذا فقد لمحنا وسط الواقفين عائلة متكونة من زوج وزوجة ومعهما طفيلهما، كان الأربعة يتلذذون بأكل شواء متبل برائحة قناة الصرف التي كانت تمر بالقرب من طاولة الشواء التي كانوا يأكلون بها. من جهته كشف مسؤول مديرية التجارة لدى استفسار الفجر عن هذه الظاهرة بأن مديريته سطرت برنامجا خاصا بهذا الشهر الفضيل وذلك بتنظيم قافلة تحسيسية ضد التسممات الغذائية باشرت نشاطاتها خلال القليلة الماضية فيما تم تجنيد 70 فرقة رقابية تعمل ميدانيا على مراقبة المحلات التجارية، وخاصة قطاع الإنتاج والتحويل للمواد سريعة التلف كالحليب ومشتقاته واللحوم ومشتقاتها مؤكدا أن المديرية ستعمل قدما على ساق طيلة شهر رمضان وتمتد إلى غاية نهاية الصيف الذي تكثر فيه حالات التسمم.