عدوان في غزة، حروب في العراق، حروب في ليبيا، وأخرى في لبنان وفي سوريا، اقتتال بين البشمرغة وداعش، ومجازر ضد الايزيديين والمسيحيين في العراق، دماء في كل واد وعلى كل ربوة، وحدها سوق السلاح منتعشة هذه الأيام، والتي قد تعود بانتعاش على اقتصاديات بلدانها التي تعاني من أزمة منذ أزيد من ست سنوات. فبينما يصرح جلال طالباني في العراق ويقول إن داعش مسلحة بأحدث الأسلحة، وبكميات غير مسبوقة، تخرج علينا فرنسا من جهتها وتطالب الاتحاد الأوروبي بتسليح أكراد العراق لكي يتصدوا إلى قوات داعش التي يبدو أنها تستهدف كل الأقليات في العراق دون استثناء، فأمس فقط تحدثت تقارير إعلامية عن مقتل أزيد من 500 إيزيدي، ودفن النساء والأطفال منهم أحياء. القرار الفرنسي بتسليح الأكراد في منطقة تعج بالسلاح لا يقل خطورة عن قرار تدخلها في ليبيا منذ ثلاث سنوات، وأطاحت بالنظام القائم فاتحة السبيل إلى الفوضى والإرهاب وانتشار السلاح بين المجموعات المتطرفة والخطيرة. لا تفسير آخر للموقف الفرنسي من تسليح أكراد العراق إلا أنه بحث عن إغراق المنطقة من جديد في الفوضى، وتشجيع الطوائف على الاقتتال فيما بينها، فالذي سلح “داعش” في سوريا ووقف إلى جانبها وأعطاها شرعية دولية للقتال ضد نظام بشار، هو اليوم من يبحث عن تسليح أضدادها في العراق بدعوى التصدي لها. ربما ألمانيا وحدها من ليس لها مصلحة في الصراع القائم في العراق وفي المنطقة العربية، ولذلك هي ترفض تسليح أي من الطوائف، ووقفت ضد الطلب الفرنسي. المخطط الغربي صار واضحا الآن، وهو الدفع بشعوب المنطقة للمزيد من الاقتتال، والمزيد من الفوضى والعداء، بحيث صارت كل الحلول مستحيلة التطبيق، خاصة بعدما تم تفكيك الجيش الوطني وإضعافه منذ الاحتلال الأمريكي للعراق والقضاء على صدام ونظامه وكل الموالين له في الجيش، فلو بقي الجيش العراقي متماسكا، لما تمكنت داعش وشقيقاتها من الجماعات الإرهابية من إثارة كل هذه الفوضى واقتراف كل هذه المجازر في العراق. تسليح الأكراد دون غيرهم في العراق يراد منه تعميق الصراع الطائفي بين العراقيين، فبعد كل الكراهية والأحقاد التي نمّتها أمريكا بين الشيعة والسنة، ومساندتها للشيعة ودعمهم للوصول إلى الحكم للانتقام من السنة التي تمثل في نظرهم نظام صدام، ها هي فرنسا تتباكى على الأكراد وتدفع بهم إلى المواجهة في حرب ستكون طويلة وعنيفة بالنظر إلى ما تتوفر عليه داعش من سلاح ومقاتلين إذ أن عددهم حسب تقارير إعلامية حوالي 62 ألف مقاتل. لا شك أن الأكراد فهموا اللعبة الفرنسية، وعلق بعضهم على المطلب الفرنسي بأنهم في حاجة إلى الدواء وليس إلى السلاح. نعم، الكل يقرع طبول الحرب في العراق، ربما ليغطوا على فشلهم الذريع في التدخل في العراق، وفي ليبيا، وحيثما مروا (أمريكاوفرنسا) لم يخلفوا غير الدمار والخراب؟! فهل تباكي فرنسا على أكراد العراق هو لتحويل الأنظار عن الفوضى في ليبيا ومالي؟! فرنسا طالبت أمس الاتحاد الأوروبي بتسليح أكراد العراق لمواجهة الحرب التي تقودها الدولة الإسلامية على الأقليات في المنطقة.