وهنا يبعث التساؤل هل كان غياب الهيئات الوطنية والجمعيات المناهضة للفساد عن الاحتفال، أمس، باليوم العالمي للفساد اختياريا أم قصريا؟ وهل كان غيابا أم تغييبا؟ من جهتها، الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد برأت ذمتها، حسب ما نقله موقع ”كل شيء عن الجزائر”، فلم يتم التصريح والسماح للجمعية بإحياء اليوم العالمي للفساد الذي صادف يوم أمس 9 ديسمبر 2014، فحسب رئيس الجمعية، جيلالي حجاج، فقد أودعت هيئته طلبا على مستوى ولاية الجزائر منذ أسبوعين لتنظيم اجتماع عام دون أن تتلقى ردا على طلبها. من جهتها، هيئة الأممالمتحدة خصصت واجهتها للتنويه بأهمية مكافحة الفساد وإحياء هذا اليوم متخذة من ”صورة ليد تقدم رشوة ويد ترفضها” شعار هذا اليوم، واستهلت الهيئة صفحتها الترحيبية بمقتطف من رسالة الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة، بان كي مون، ”أصبح التصدي لمشكلة الفساد أكثر إلحاحا من ذي قبل في ظل الجهود الحثيثة التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015، ووضع خطة لإحراز التقدم الاقتصادي والاجتماعي في السنوات اللاحقة”. الجزائر متفرج في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. أين نشاط الجمعيات والهيئات المكافحة؟ ونددت هيئة الأممالمتحدة على موقعها بالفساد معتبرة إياه ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان، فالفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية ويبطئ التنمية الاقتصادية ويسهم في الاضطراب الحكومي. كما يضرب في أسس المؤسسات الديمقراطية بتشويهه العمليات الانتخابية، ما يحرف سيادة القانون عن مقاصدها ويؤدي إلى ظهور مستنقعات بيروقراطية لا بقاء لها إلا من خلال الرشى. كما أن التنمية الاقتصادية تتوقف بسبب تثبيط الاستثمار الأجنبي المباشر. وبسبب الفساد يصبح من المستحيل للشركات الصغيرة داخل البلد التغلب على تكاليف بدء العمل. وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر يوما دوليا لمكافحة الفساد، ويهدف هذا الاحتفال إلى رفع وعي الناس بالفساد ودور اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في محاربته ومنعه، كما حثّت الجمعية العامة جميع الدول ومنظمات التكامل الاقتصادي الإقليمية المختصة على التوقيع والتصديق على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لضمان الدخول السريع نفاذها، واتفاقية مكافحة الفساد هي أول صك دولي لمكافحة الفساد ملزمة قانونا بأن يوفر فرصة لإيجاد رد فعل عالمي على الفساد. وقد تسببت قضايا الفساد التي تورطت فيها شركات حكومية على غرار شركة ”سوناطراك” في تراجع ترتيب الجزائر في ”مؤشر مدركات الفساد” المتعلق بقياس جهود الدولة في مكافحة الفساد، حيث حلت في المركز 100 عالميا ضمن 175 دولة ضمها التصنيف. فقد صنف تقرير صدر عن منظمة الشفافية الدولية، اطلعت ”الفجر” على نسخة منه، الجزائر في المرتبة 100 عالميا متراجعة بست نقاط مقارنة بترتيب عام 2013 حيث حلت في المركز 94 عالميا. هيئة الأممالمتحدة تعتمد ”صورة يد تقدم رشوة ويد ترفضها” شعارا لهذا اليوم وحسب مراقبين للشؤون الاقتصادية، فإن سبب هذا التراجع هو قضايا الفساد التي تورطت فيها شركات حكومية وكذا استعمال الطرق الملتوية لكسب المناقصات كدفع الرشاوى، خاصة قضايا الفساد التي طفت على السطح خلال السنوات الماضية، والتي كانت ”سوناطراك” لاعبا أساسيا فيها، حيث اتهم مسؤولون وسياسيون وموظفون من ذوي المراكز الرفيعة بقبض رِشاوى ضخمة من شركات أجنبية لضمان الحصول على العقود، وكانت القطرة التي أفاضت الكأس ما يعرف بفضيحة ”سوناطراك 2” في فيفري 2013، عندما بدأ القضاء الإيطالي التحقيق في قضية شبهة تقديم رشوة ب265 مليون دولار للفوز بعقود مع ”سوناطراك” قدمها رئيس شركة ”إيني” الإيطالية للنفط والغاز المملوكة للدولة، باولو سكاروني، تليها فضيحة الطريق السيار الذي لا تزال تكلفته ترتفع يوما بعد يوم، حيث كشف وزير الأشغال العمومية، عبد القادر قاضي، مؤخرا، أن التكلفة الإجمالية للمشروع الممتد على مسافة 1216 كلم تقدر بنحو 13 مليار دولار، إضافة إلى قضايا فساد كشف عنها محققون بخصوص نظام رشاوى وعمولات يشمل أجهزة أمنية في البلاد ومسؤولين بارزين في وزارة الأشغال العمومية. وحسب التقرير المتعلق بقياس جهود الحكومة في مكافحة الفساد، فإن تراجع ترتيب الجزائر يرجع إلى تماطل الحكومة في مكافحة الفساد في مؤسسات الدولة. الجبهة الوطنية لحماية الثروة ومكافحة الفساد تعتبر الجزائر غير ملتزمة بالمواثيق الدولية من جهتها، اعتبرت الجمعية الوطنية لحماية الثروة ومكافحة الفساد، في بيان تلقت ”الفجر” نسخة منه، أن تراجع الجزائر إلى المرتبة 100 في مكافحة الفساد يعد مؤشرا سلبيا ومقلقا مع تجاهل السلطة الجزائرية للمعطيات الدولية وافتقارها للإرادة الحقيقية لمكافحة الفساد، من خلال إجراءات صارمة من أجل الإصلاح واحتواء بؤر الفساد، ما يحد من استغلال السلطة والنفوذ ويوقف إصرار قلة محتكرة للثروة وللمال العام ومقدارت الشعب الجزائري، كما أنها غير ملتزمة بالمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر في مكافحة الفساد وعدم وجود هيئة حقيقية للمحاسبة والمساءلة لمرتكبي الفساد المالي والإداري. كما ترى الجبهة أن تحقيق العدالة في الجزائر يتطلب محاسبة رموز الفساد والمفسدين ليس فقط لاسترجاع حقوق الدولة وأمواله، بل أيضا لتحقيق الردع العام والخاص بما يضمن الجانب الوقائي في هذا المجال، ومن هذا المنطلق يتوجب محاسبة الفاسدين مهما كانت صفتهم الوظيفية، بما يضمن تحقيق الغاية المرجوة من عملية مكافحة الفساد بالقضاء على هاته الظاهرة دون أن يفلت أي فاسد من العقاب الذي يستحقه.