يلقي ضجيج الانتخابات التشريعية القادمة على الساحة الوطنية، التي تبقى تعاني من وضعية غير سليمة تطبعها مفارقة لا يمكن القفز عليها تتمثل في اندفاع للمسار التنموي وبوتيرة متصاعدة رغم الأزمة المالية العالمية من جهة ومن جانب آخر اصرار ظاهرة الفساد على الديمومة، وهو ما لا يمكن أن يضمن سلامة البناء المستقبلي. تملك الجزائر ترسانة متكاملة من القوانين والتنظيمات لمكافحة الفساد الذي استشرى في الساحة الاقتصادية والمالية بشكل لم يعد خافيا، مما استدعى تعزيز الترتيبات التي تصب في مسعى قطع دابر ظاهرة أصبحت تهدد مستقبل البلاد وتضرب عناصر أمنه الغذائي من خلال استنزاف الموارد بشتى أشكال الفساد من رشوة الى تبديد وسرقة المال العام، مرورا بالتهريب وتبييض المال المحصل من الجريمة المنظمة مثل الاتجار في المخدرات والسلاح. وبهدف الوقاية من ظاهرة الفساد عدلت الجزائر عدة نصوص على غرار قانون النقد والقرض وقانون تنظيم الصرف وحركة رؤوس الأموال ومجلس المحاسبة. كما استحدثت ديوان مركزي لقمع الفساد مهمته البحث والتحري والتحقيقات في عمليات فساد بإشراف النيابة العامة للقضاء، وقبل هذا أصدرت سنة 2006 قانون مكافحة الفساد والوقاية منه بالاستناد لاتفاقية الأممالمتحدة المصادق عليها سنة 2003 . يمثل الفساد شوكة في حلقة الاصلاحات الاقتصادية التي ما ان تقطع شوطا حتى حتى تعيقها افرازات تكبح وتيرة التنمية والنمو وتعطل البرامج وتنشر الريبة في أوساط المستثمرين خاصة الأجانب منهم، في انتظار ما تصدره العدالة من قرارت بشأن ما يطرح لديها من ملفات ثقيلة. ويوجد أكثر من ملف يتعلق بالفساد والذي تجاوز نطاق ما قد يصنف مقبولا على غرار ملف الطريق السيار شرق -غرب الذي أسال حبرا كثيرا وكذا ملف سوناطراك التي لا يمكن أن تستمر بثوب البقرة الحلوب وتحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لحمايتها بتعزيز آليات الشفافية إلى مختلف ما يحصل حول الصفقات العمومية، مرورا بما يتربص بالخزائن العمومية في مختلف البنوك جراء أعمال الاختلاس واللصوصية والتهرب الجبائي والارهاب وكل من الممارسات التي تصيب النظام الاقتصادي وهو ما تتصدى إليه التشريعات السارية ذات الصلة بمكافحة الفساد باعتباره خطرا على الأمن الاقتصادي والمالي للبلاد. الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته التي تشرف عليها وزارة المالية، وهي هيئة استعلامات ذات كفاءات متميزة في المسائل المالية والبنكية تتكفل بالقضايا المصنفة والثقيلة من ضمن عشرين نوعا للقضايا التي تندرج في خانة الفساد وأبرزها الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ والوظيفة والمتاجرة بها والاثراء غير المشروع. وينتظر منها أن تتوصل لإقامة ركائز التصدي للظاهرة بالفعالية المطلوبة بما يضع كل من يحاول الانزلاق نحو مساحة الفساد التي يجب التضييق عليها التفكير مطولا طالما أنه يعلم أن الدولة حريصة وأجهزتها في حالة يقظة دائمة والثمن باهض بالضرب بقوة القضاء على أيدي الفاسدين والمتعاطين معه، كون مقدرات الأمة أمر لا مجال للتساهل معه. القائمون على دواليب الجهاز الاقتصادي من مؤسسات منتجة للثروات أو الخدماتية منها وبالذات البنوك يتحملون مسؤولية وطنية في تعزيز مسار مكافحة الفساد بتغليب الاحترافية والشفافية في إدارة الشؤوون العمومية وحتى للقطاع الوطني الخاص مسؤولية أيضا بالتزام نفس القواعد في الفوز بالصفقات واحترام دفاتر الشروط لانجاز المشاريع بالجودة الفنية المطلوبة وفي الآجال المحددة طالما أن الدولة صاحبة المشاريع تدفع بالمليم.