تفرض أصالة أهل المدية وطابعهم المحافظ إيلاء أهمية بالغة لكل ما هو ديني، ولعل مناسبة المولد النبوي الشريف تعد من أهم المناسبات التي لا يمكن أن تمر على المداينية مرور الكرام. احتفالات العائلات المداينية بمناسبة المولد النبوي تطبعها عادات وتقاليد خاصة تنفرد بها دون غيرها من عائلات المدن الجزائرية الأخرى، حيث يخيل لك وأنت تزور المدية في هذا اليوم وكأنك في عرس أو عيد نظرا للحركة غير العادية التي تشهدها أسواق المدينة، والتي تعج بالسلع والمتسوقين على حد السواء. في مثل هذه المناسبة تقوم ربات البيوت في ليلة المولد بتحضير أشهى الأطباق احتفاء بهذه المناسبة، حيث تحضر النسوة طبقي الكسكسي أو الرشتة مع الدجاج ومرق الكوسة والحمص. ويعتبر هذان الطبقان من ضروريات مائدة الاحتفال بالمولد النبوي بالنسبة للعائلة المداينية. وبعد تحضير هذه الأطباق ومع مغيب شمس ذلك اليوم يجتمع أفراد العائلة حول المائدة لتناول العشاء، وبالموازاة مع هذا تعكف النسوة في السهرة على تحضير الحناء ثم وضعها على الأيدي والأرجل للتباهي بها في صباح اليوم الموالي. سر ”الطمينة” في صبيحة يوم المولد في صباح اليوم الثاني عشر من ربيع الاول تقوم النسوة بالمدية بإعداد طبق الطمينة، وهي عبارة عن كمية من الدقيق المحمص الممزوج بالعسل وقليل من الزبدة، والذي يقدم لأفراد العائلة عند فطور الصباح، ويكمن سر تقديم الطمينة صبيحة يوم المولد في كونه يرمز إلى الاحتفال بالمولود الجديد عند أهل المدية، حاله في ذلك حال الاحتفال بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام. الشمعة الاخيرة فأل خير وصاحبها طويل العمر يعكف سكان المدية على شراء شموع المولد النبوي الشريف بعدد أفراد الأسرة، ثم يختار كل فرد من أفرادها شمعته ويسميها باسمه ويشعلها، والذي تنطفئ شمعته في الأخير. وحسب العادات يعد صاحبها طويل العمر أو فأل خير عليه. وفي هذا الصدد تبقى العائلة مستيقظة تنتظر من تنطفئ شمعته آخرا، وكثيرا ما تحدث مشاكسات بين الأبناء بأن يطفئ أحدهم شمعته لمدة ثم يعيد إشعالها، وهذا حتى يوهم الآخرين بأن شمعته هي آخر شمعة انطفأت يحدث هذا في جو من الفكاهة والفرح بهذه المناسبة العزيزة على كل فرد. دروس ومواعظ وقراءة في سيرة المصطفى تحيي معظم مساجد المدية ليلة المولد النبوي بتلاوة الذكر الحكيم ومدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مشكلين حلقات للذكر، يتدارسون فيها سيرة النبي وخصاله الحميدة التي يحرص الإمام على تلقينها لجموع المصلين . ويتم خلال ليلة المولد تنظيم المسابقات الدينية وتكريم الفائزين وحفظة القرآن الكريم. ولا يقتصر دور التعريف بسيرة النبي على أئمة المساجد بل يتعداه إلى هيئات المجتمع المدني بالمدية، والمتمثلة أساسا في الجمعيات التي تسعى جاهدة في هذا اليوم إلى توقيع بصمتها في هذا اليوم من خلال تنظيم ندوات فكرية يتم خلالها القاء محاضرات خاصة بحياة المصطفى من طرف أساتذة ومفكرين. كما تقوم هي الاخرى بتنظيم مسابقات دينية للأطفال وتشجيعهم على تدارس سيرة نبيهم الكريم .. ونشاط مميز للجمعيات الخيرية تعكف الجمعيات الخيرية بولاية المدية، على غرار جمعية كافل اليتيم لبلدية بئر بن عابد وجمعية ناس الخير وغيرها من الجمعيات الأخرى، على إطلاق حملات لجمع المواد الغذائية قصد إعادة توزيعها على فقراء الولاية والأرامل والأيتام، في حين تقوم جمعيات أخرى بإقامة حفلات ختان بمناسبة المولد النبوي الشريف وبعد المولد فرصة حقيقية لتزايد الاعمال الخيرية بالمناسبة. وفي هذا الصدد يقول امبارك حبيش، رئيس جمعية كافل اليتيم لبلدية بئر بن عابد، أنه وأعضاء الجمعية بصدد جمع التبرعات على شكل مواد غذائية أساسية قصد إطلاق حملة قفة لكل يتيم وهو يسعى رفقة أعضاء الجمعية إلى جمع قرابة 40 قفة قصد توزيعها بمناسبة المولد على أرامل وأيتام البلدية. من جهتها سطرت جمعية ناس الخير هي الأخرى برنامج لتوزيع مواد غذائية على قفراء الولاية. مفرقعات وألعاب نارية تدوي في سماء ليلة المولد وبطبيعة الحال لا يمكن أن تمر مناسبة المولد النبوي بالمدية، دون أن نتحدث عن المفرقعات والألعاب النارية التي يتم عرضها من قبل الشباب في ساحة جامع النور وطحطوح والرشبة بشتى الانواع قبل المولد بأسبوع أو أسبوعين. وبالرغم من ارتفاع أسعارها إلا أن سكان المدية يضطرون الى شرائها إرضاء لأبنائهم واحتفالا بالمناسبة وفي هذا الصدد استوجب التنويه بخطورة تلك الألعاب على الأطفال، ففي كثير من الاحيان تتحول فرحة الاحتفال إلى ما لا يحمد عقباه. مناسبة للخطبة وتقديم المهيبة مناسبة المولد فرصة سعيدة يجتمع فيها أفراد العائلات لتحديد مواعيد الزواج وبعض الشروط لإتمامه، كما جرت العادة والعرف عند العائلات المداينية، أنه في مثل هذا اليوم تخطبن الفتيات وتقدمن لهن المهيبة أو ما يعرف ب”التيزري” للفتاة المخطوبة. وتبقى مظاهر تخليد هذه الذكرى واحدة من أهم العادات التي يبقى المجتمع المداني متمسك بها، كما تعد موروثا لا يزال محافظا عليه أبا عن جد.