يشرع اليوم رسميا في الجزائر وعبر مختلف قاعات السينما وقاعات العرض في استقبال الفيلم المثير للجدل، الموسوم ب”الوهراني” لمخرجه إلياس سالم، حيث سيعرض العمل في كل من العاصمة، البليدة، تيزي وزو، سيدي بلعباس، تيارت، تلمسان، بشار، سوق أهراس، بجاية وخنشلة، حتى منتصف شهر مارس المقبل، وبالرغم من علو الأصوات الرافضة للعمل والمطالبة بوقف عرضه وتقديم مخرجه للمحاكمة، إلا أن القائمون على الثقافة عندنا لم يراعوا هذه الموجة ضدّ الفيلم بالرغم من أنها جاءت من الأسرة الثورية، تاركين فرصة الحكم على العمل وما جاء فيه من أحداث للجمهور. ويثير الياس سالم في، على مدى ساعتين من الزمن ”تيمات” عديدة في رحلة بعث عن الذاكرة تتعاقب فيها الصور والذكريات في تجاذب بين اللحظات الحاسمة لقيام الحرب التحريرية ضد المستعمر وأهم المراحل بعد الاستقلال، من خلال قصة إنسانية تتحدث عن التضحية والصداقة والحب بنيت على خلفية علاقة صداقة ونضال بين بطل الفيلم جعفر الملقب بالوهراني، أدى الدور إلياس سالم، وحميد، أدى الدور خالد بن عيسى، قام المخرج بمسح شامل لمرحلة هامة من تاريخ الجزائر انطلقت من أيام الثورة التحريرية لتواصل إلى أواخر الثمانينات. ويطرح الفيلم بكثير من الجراءة قضايا سياسية واجتماعية والصراعات التي أفرزتها تلك المرحلة والخلافات بين رجال وحدتهم قضية تحرير البلاد في يوم من الأيام لكن فرقتهم هموم وانشغالات مرحلة بناء الوطن حيث كل واحد له نظرته الخاصة للموضو . وفضل المخرج، وهو أيضا كاتب السيناريو، البقاء محايدا في تناوله للتطورات والتغيرات التي طرأت على أبطال القصة ولم يريد إصدار أحكام على تصرفات ومواقف شخوصه إلا أن ذلك لم يمنع الفيلم من أن يكون جريئا وناقدا للأوضاع كما انه حاول قدر الإمكان تقديم صورة واقعية للإحداث التي تناولها بدأ من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الوطن. كما اعتمد المخرج في عمله كثيرا على الجوانب الإنسانية والحميمة التي بلغت أوجها في بعض المشاهد المؤثرة على غرار لحظة عودة المجاهد جعفر أو الوهراني بعد الاستقلال إلى بيته ليفاجأ بنبأ وفاة زوجته ياسمين التي تم اغتصابها من قبل ابن احد المعمرين وتترك وراءها طفلا كان ثمرة ذلك الاغتصاب فرغم تلك الصدمة يحتضن جعفر ذلك الطفل ويكون له بمثابة الأب الحقيقي، وتبدأ رحلة أخرى بين جعفر والطفل بشير حيث يصر الأب على إخفاء الحقيقة عليه لكن سرعان ما يبدا الطفل في البحث على السر في اختلاف شكله عن باقي أفراد العائلة. وكان شبح ياسمين التي لم تظهر في الفيلم حاضرا بقوة خاصة وأن وزجها عان كثيرا من رحيلها كما لم يقبل إخفاء أصدقاءه لموتها خلال تواجده بالجبل معتبرا ذلك بمثابة خيانة وكذب لاسيما من قبل صديق عمره حميد الذي اعتلى مناصب سياسة عليا بعد الاستقلال، ورغم تغير نظرة حميد لبعض المسائل إلا أنه بقي قريبا من جعفر وحاول مساعدته في تجاوز محنته في فقدان ياسمين، استطاع المخرج بفضل تحكمه في أطوار القصة والأداء الناجح للممثلين الرئيسين الياس سالم وخالد بن عيسى وجمال براك أن يشد إهتمام الحضور دون ملل رغم طول مدة الفيلم. وقد ساهم أداء الممثلين إعطاء قوة للعمل وكان للمخرج فضل في ذلك حيث حرص على أدق التفاصيل وعمل طويلا مع الطاقم الفني الذي تسلم السيناريو سنة قبل بدء التصوير، وقد اعتبر اليأس سالم أن فيلم الوهراني المشبع بالرمزية يتطرق لمرحلة هامة من بناء جزائر ما بعد الاستقلال ويطرح أسئلة شرعية وضرورية لقبول وتبني الذاكرة وقد سمح الأداء المتميز لدور الوهراني للالياس سالم من الحصول على جائزة ”لوفالوا لأحسن دور” في المهرجان السابع للفيلم لأنقولام بفرنسا وسبق للسالم أن نال نفس الجائزة عن دوره في فيلمه ”مسخرة” سنة 2007 . تجدر الإشارة أن فيلم ”الوهراني” هو إنتاج مشترك بين الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي ومؤسستي ”لايث ميديا” و”دارام صالا”.