بمنظور إسرائيلي داخلي، لم يكن النصر الانتخابي المبين الذي حققه بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع مستبعدا على خلفية ما ألحقته هجرة اليهود ”السوفيات” من تحول ديموغرافي في تركيبة إسرائيل السكانية رفع نسبة الناخبين من أصل روسي إلى أكثر من 20 في المائة من المجموع عزز التيار اليميني المتشدد بحكم عداء اليهود ”السوفيات” للنظام الماركسي و”أصدقائه” ونفورهم من تأييده الحقوق الفلسطينية المشروعة. إسرائيل ما بعد انهيار المنظومة السوفياتية لم تعد إسرائيل سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وبنيامين نتنياهو عرف كيف يوظف يمينية الشارع الإسرائيلي ويزايد عليها ليقطف ”الليكود” ثمارها حتى على حساب اليمين التقليدي، سواء كان الشوفيني مثل ”إسرائيل بيتنا” (الذي تراجع عدد ممثليه في الكنيست إلى ستة نواب فقط مقابل 13 نائبا للقائمة العربية المشتركة التي سعى إلى إقصائها عن الكنيست) أو الديني مثل ”شاس” (الذي تقلص تمثيله إلى 7 نواب). أما بمنظور خارجي فقد يجد نتنياهو أن ترجمة نصره الانتخابي إلى مكسب دولي أبعد منالا مما يتصوّر في ظل علاقته المتوترة مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما. في لبنان مثل شعبي يقول: ”من كان منزله من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة”.. ومشكلة نتنياهو أنه لا يعترف بأنه مهما كبر حجمه الانتخابي داخل إسرائيل تظل جدران بيته من زجاج. أول الغيث في احتمال تعرض بيته للرشق بحجارة الدبلوماسية الأميركية بدا من إحجام البيت الأبيض عن تقديم التهاني التقليدية له بفوزه الانتخابي واستعاضة الرئيس باراك أوباما عن الاتصال الهاتفي المعتاد في مثل هذه المناسبات بمكالمة مقتضبة كلف وزير خارجيته، جون كيري، إجراءها. أما ثانيه، أي التلويح باحتمال تأييد واشنطن لقرار من الأممالمتحدة يتبنى قيام الدولة الفلسطينية، فسيكون كافيا، في حال تنفيذه، لهدم منزل نتنياهو الزجاجي على رأسه. واللافت على هذا الصعيد أن تثير واشنطن نقطة خلاف جديدة مع نتنياهو عبر انتقاد الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض جوش إرنست، للمرة الأولى، تصريحات زعيم ”الليكود” بشأن عرب 48 في إسرائيل وتأكيده العلني: ”نحن قلقون جدا من هذه اللهجة وسننقل هذه الرسالة إلى إسرائيل”. في أجواء العلاقتين الرسمية والشخصية المتردية بين أوباما ونتنياهو قد تشكل إشارة البيت الأبيض إلى وجوب إعادة تقويم مقاربته لعملية السلام عقب إعلان نتنياهو رفضه قيام دولة فلسطينية ”ما دام رئيسا للحكومة الإسرائيلية”، ضوءا أخضر لأن تتحمل السلطة الفلسطينية قسطها في عملية رشق بيت نتنياهو. يكفي واشنطن، على هذا الصعيد، أن تحجم عن التدخل لوقف أي تحرك فلسطيني يساهم في عزل إسرائيل دبلوماسيا في المحافل الدولية لتطلق يد المحكمة الجنائية في إدانتها، علما بأن السلطة الفلسطينية سوف تنضم، الشهر المقبل، إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكنها مقاضاة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها في عدوانها على غزة الصيف الماضي، وأيضا على مواصلتها سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة. تصريحات نتنياهو الانتخابية المتطرفة جعلته معرضا لانتفاضة دبلوماسية فلسطينية تضع الرئيس أوباما في موقع الجهة الدولية الوحيدة القادرة على التدخل لحماية بيته من حجارة السلطة الفلسطينية، أو على الأقل في موقع ”المساوم” على الثمن الإسرائيلي المطلوب لهذا التدخل. مع ذلك، قد لا تشجع تجارب السلطة الفلسطينية مع إدارة أوباما على توقع موقف أميركي حازم من تهرب نتنياهو المتمادي من طروحات التسوية السياسية. ولكن واشنطن تدرك قبل غيرها أن نصر نتنياهو الانتخابي، خلافا لما يوحيه في الظاهر، مكلف له أكثر مما هو واعد لسياسته الشوفينية. ورغم أن مغالاته في طروحاته اليمينية ضمنت له استقطاب معظم قوى اليمين الإسرائيلي وتسهل عليه مهمة تشكيل حكومة يمينية ضيقة، فقد جعلته، في الوقت نفسه، رهين التعاون مع أحزاب الوسط واليسار - التي يصفها بالانهزامية - في أي مقاربة قد يتوسلها لإصلاح ما أفسدته حملته الانتخابية مع الولاياتالمتحدة.. مما يسمح بالاستنتاج أن تركيبة حكومة نتنياهو الجديدة سوف تكون مؤشرا أوليا ليس فقط على علاقته بالولاياتالمتحدة، بل أيضا على مستقبل التسوية السياسية في فلسطين.