فرنسا التي تخطو لأول مرة خطوة نحو نوع من الاعتراف بتاريخها الدموي في بلادنا، أرسلت أمس، كاتبها للدولة لدى وزير الدفاع “جان مارك توديشيني” إلى مدينة سطيف، مدينة الثامن ماي، “للاحتفال” مبكرا بالذكرى ال70 لمجازر 8 ماي، حيث وضع باقة ورد أمام النصب التذكاري لأول شهيد سقط في هذه المجزرة عسال بوزيد. لم يفهم أحفاد ضحايا المجزرة، ما سبب هذه الزيارة السابقة لذكرى المجازر، ورفضوا هذه الخطوة غير المفهومة، رغم أن الإعلام الفرنسي قال عنها إنها تحمل رسالة من الحكومة الفرنسية، حيث قالوا بأن هذه الزيارة غير كافية ما لم يكن هناك اعتراف واعتذار، وقالوا إنهم لا يريدون تعويضات فلن يلطخوا ذاكرة أجدادهم بالمال! لكن من يجرؤ اليوم أن يطالب فرنسا الصديقة التي توقع على بياض لرؤساء مستعمراتها السابقة الذين لن يكتسبوا شرعية إلا إذا ما رضيت عنهم فرنسا؟ من يجرؤ في الجزائر أن يطالبها باعترافها بجرائمها، بعد المهانة التي وصلتها جبهة التحرير على يد أمين عام يقيم في فرنسا ويهرب أمواله المنهوبة إلى بنوكها، ويسهر هنا على مصالحها؟ من يقدر على ذلك وكل البرلمانات المتعاقبة في الجمهورية الجزائرية لم تقو على تمرير قانون يطالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها؟ حتى جمعية 8 ماي التي عرفت هي الأخرى مصير ذاكرة الثامن من ماي من دوس وتعاقب عليها رؤساء لم يقدروا على رفع صوتها منذ رحيل البشير بومعزة أحد مؤسسيها؟ ثم لماذا نطالب بمفردنا من فرنسا أن تعترف بجرائمها في الجزائر؟ لماذا نتحرك مشتتي الصفوف، فجرائم فرنسا غطت مساحة كبيرة من القارة الإفريقية ووصلت حتى آسيا في الهند الصينية سابقا، ومجازرها في مدغشقر يندى لها الجبين؟ فرنسا لن تعترف ولن تعتذر، ولن تصغي لندائنا، ما دمنا نتصرف هكذا، كل يطالبها بترميم ذاكرة ضحاياه بصورة منفردة، لكننا سنجبرها لو جمعنا جهودنا كمستعمرات قديمة، وتشكلنا في جبهة واحدة تجمع كل مستعمرات القارة السمراء، لمطالبة فرنسا بالاعتراف بما اقترفته من مجازر طوال تواجدها الاستعماري بقارتنا، بل لإجبارها على الاعتذار والتعويض، مثلما افتك قبلنا اليهود اعتراف ألمانيا واعتذارها وتعويضها لهم عن جرائم النازية، ومثلما اعترفت إيطاليا بجرائمها في حق ليبيا. التاريخ الاستعماري في العالم كله بشاعة وليوبولد الثاني ملك بلجيكا وحده قتل أزيد من 10 ملايين شخص في الكونغو، وفرنسا اقترفت في الجزائر مجازر لا تقل بشاعة عن مجازر الاستعمار في أمريكا ضد الهنود الحمر، كانت تريد إبادة الشعب الجزائري، التي يتشدق ساستها ومؤرخوها ويكتبوا أن رسالته كانت حضارية، بينما لعب جنودها بالرؤوس المقطوعة، وحرقوا قبائل بنسائها وأطفالها وحيواناتها في المغارات. هيا لنتحد كشعوب ونبدل عجلة التاريخ ونضع البلدان الاستعمارية أمام تاريخها الإجرامي، الذي فاق بشاعة جرائم النازية. ونحن مقبلون على الاحتفال بالذكرى ال70 المخلدة لهذه التراجيديا، لنوجه نداءنا إلى أشقائنا في كل مستعمرات فرنسا ونتحد مرة، فحتما سنقلب الموازين، ونجبر الحكومة الفرنسية على التوقف عن نهب ثروات 14 بلدا من مستعمراتها القديمة، ما زالت تدفع ضريبة الاستعمار لأن فرنسا أجبرتها عند توقيع اتفاقيات استقلالها على دفع مقابل ما تركته فرنسا من منشآت، مع أن المعمرين في كثير من المدن الإفريقية نهبوا ودمروا المباني والمدارس والمكتبات وحرقوا كل ما لم يتمكنوا من نقله. الجزائر لا تدفع هذه الضريبة، لكنها رهنت كل مستقبلها بفرنسا، وما زالت فرنسا كعبة لكل حكامها، وبنوكها قبلة لثرواتنا المنهوبة؟!