دخل المخرج المغربي محمد مفتكر المنافسة الرسمية في فئة الأفلام الطويلة بمهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته الثامنة.”جوق العميين” الفيلم المغربي الطويل استطاع ترك انطباع جيد عند الجمهور الذي تابع الفيلم بقاعة سينما ”المغرب”، حيث صفق مطولا بعد نهاية العرض على الأداء الجيد للمثلين وقوة السيناريو والإخراج عند محمد مفتكر. يعود محمد مفتكر إلى فترة نهاية السبعينيات في أحد الأحياء الشعبية بالمغرب، في السنوات الأولى من حكم الملك الحسن الثاني، يروي المخرج قصة جوق موسيقي يقوده حسين (يونس ميقري) والذي يعشق الملك ويثق في سياسته في تسيير البلد، يعيش حسين برفقة زوجته وابنه ميمو الذي يفتخر به لكونه متفوقا في دراسته الابتدائية، هذا الأخير لم يُوفق في دراسته وينال علامات سيئة ما يجعله يزور علاماته بالتواطؤ مع عمه حتى ينال رضا والده الذي يبذل كل جهده حتى ينجح ابنه. ”جوق العميين” الذي يتكون من مجموعة من الموسيقيين بالإضافة إلى ”شيخة” وراقصتين، يقومون بإحياء الحفلات والأعراس ويدعون بأنهم عميان حتى يتم تقبلهم داخل البيوت بوجود النساء. وبين الموسيقى والرقص والعشق، لم يغفل المخرج العلاقات الإنسانية والتي شكل شخوصها الأب والعم والابن، علاقات حب جمعت بين الأب وإحدى الراقصات وبين العم و”الشيخة” وبين الطفل ميمو وخادمة الجيران التي يقع في حبها ويجلب لها الحلوة يوميا، ويعيد نقل كلام عمه الغرامي صاحب الأفكار السياسية المناهضة لحكم الملك، وهي الأفكار التي تجعله لاحقا يقع في مأزق ويتم إلقاء القبض عليه. بين هذا وذاك، قصص قام المخرج بتركيبها بذكاء كبير يعكس قدرته على حبك سيناريو كوميديا اجتماعية في صورة جمالية وبلمسة فنية استطاع بها ترك بصمة واضحة، خاصة من خلال دور الطفل ميمو الذي أظهر تمكنا كبيرا من الدور، وساء عبر تعابير الوجه أو حركته، والأمر نفسه ينطبق على باقي الممثلين سواء يونس ميقري أو محمد البسطاوي الذي رحل مؤخرا ولم يلحق لمشاهدة الفيلم في صورته الأخيرة. هذا الأداء الجيد للممثلين يعطي الصورة على قوة ”الكاستينغ” عند المخرج الذي أحسن اختيار الممثلين. تتوالى أحداث الفيلم وتنبعث روائح الخيانة وتتدحرج الشخصيات نحو لحظة الحسم، حيث تقع إذ تقع صدفة، فينكشف الموسيقي العاشق، فينكسر الحب دفعة واحدة وتتفكك أسرة كانت ترتبط فيها المصائر. شد الفيلم كل من شاهده خاصة من حيث بعده الفني والسوسيولوجي من ناحية العمق والاشتغال حتى على التفاصيل الدقيقة التي لم يغفلها المخرج لكون القصة تعنيه بالدرجة الأولى وتشكل 50 بالمئة من حياته فهو بصدد سرد جانب من حياته، ومن لقطات الفيلم الأخيرة واكتشاف الوالد تغيير نتائج الكشوفات في دراسته وخداعه له، بالإضافة لتأثر الولد بعمه يتّضح أن الطفل سيعيد سيرة عمه اليساري أكثر، ما سيعيد سيرة والده. وقال المخرج محمد مفتكر أن الفيلم يعرض لأول مرة خارج المغرب، وأنه كان متخوفا من درة فعل الجمهور نظرا لاختلاف الواقع السوسيوثقافي، ولكن سعد لردة فعل الجمهور الذي ظهر راضيا عن الفيلم. وشكر محمد مفتكر الممثل الموسيقي يونس ميقري على مشاركته في الفيلم وتأديته الدور على أكمل وجه وتحمله التدريب طيلة 6 شاهر كاملة من أجل إجادة العزف على آلة الكمان، وهو المختص في آلات أخرى غير الكمان. وأوضح مفتكر أن سيناريو الفيلم 50 بالمئة منه قصة واقعية تخصه شخصيا، مضيفا أنه قصة الفيلم عبارة عن سيرته الذاتية عندما كان طفلا، فما كان يقوم به الطفل ميمو هو واقع عاشه والطفلة ”شامة” موجودة فعلا.وعن حمل الطفل على أداء بعض المشاهد الجريئة في الفيلم مقارنة بسنه قال المخرج أن الأمر عادي وكل المشاهد جاءت في سياق السيناريو، مضيفا بأنه يجب التفريق بين الجرأة والوقاحة.