لم يخرج فيلم المخرج الفرنسي «ألكسندر أركادي» كثيرا عن إطار «تمجيد التواجد الفرنسي في الجزائر» و«الإشادة» بمن يسمون «الأقدام السوداء»، حيث عرض العمل أمس ب«قاعة الموڤار» في العاصمة، بينما ينتظر حضور وفد فرنسي «ثقافي رسمي» تتقدمه الوزيرة المكلفة بشؤون الفرانكفونية يمينة بن قيقي، والمخرج ذو الأصول اليهودية، إلى جانب عدة شخصيات في ندوة اليوم. وتباينت ردود الفعل وسط من شاهدوا الفيلم في عرضه الأول بالجزائر، غير أن الغالب في مختلف الآراء أن العمل الذي أنتجه بشير درايس، والمقتبس عن رواية ياسمينة خضرة «فضل الليل على النهار»، وقف موقفا سلبيا من الثورة التحريرية وحق الجزائريين في استرجاع استقلالهم. وتدور أحداث قصة الفيلم الذي كتب نص «السيناريو» وحواراته الفرنسي «دانيال سانت أمو» وهو من «الأقدام السوداء» ومن مواليد مدينة معسكر، وإخراج «ألكسندر أركادي» المولود أيضا في الجزائر العاصمة عام 1946، وبمشاركة الممثلين فؤاد آيت عدو ونورة أرنزدار ومحمد فلاق و«أني بوبلاد و«فانسونبيراز» و«أني كونسيجي»، حول فترة الثلاثينيات من تاريخ الجزائر إلى غاية استرجاع الاستقلال. وعبر شخصية «يونس» الذي عاش وترعرع في مجتمع «الأقدام السوداء»، أي بين الفرنسيين الذين ولدوا وعاشوا بالجزائر، أسس هذا «السيناريست» نصه الذي ترجم إلى فيلم مدة عرضه ساعتان ونصف. وتشكل شخصية «يونس» محور أحداث فيلم «أركادي»، حيثإن الفتى الذي لم تتجاوز سنه تسع سنوات، كان يعيش مع والده المزارع الذي خسر صفقات مالية، فأخذت منه الأراضي التي ورثها عن أجداده. وفي ظل هذه الأزمة يضطر الوالد إلى ترك ابنه «يونس» عند عمه الذي ينتمي إلى مجتمع «الأقدام السوداء» في إحدى ضواحي وهران، مما أفقده احترامه لنفسه بعد تخليه عن ابنه. وساعدت ملامح «يونس» من عيون زرقاء ووجه جميل، على تقبله في هذا المجتمع، وبعدما تم «تعميد» الصبي في الكنيسة، تحول اسمه إلى «جوناس»، وكبر مع أصدقائه من المعمرين وأصبح لا يفارقهم أبدا لأنه اكتشف رفقتهم معنى السعادة وتقاسم معهم أحلام المراهقة التي لم تؤثر عليها الحرب العالمية الثانية ولا مشاكل الهوية والعربية. من ناحية أخرى، تتسارع أحداث الفيلم لتظهر لاحقا الفتاة الجميلة «إيميلي» التي سحرت «يونس» وأصدقاءه الثلاثة بحسنها وأنوثتها، لتبدأ هنا قصة حب «يونس» و«إيميلي» وتكون سببا في ظهور بعض المشاكل بين الأصدقاء الأربعة حول الوفاء والأنانية والحقد، خصوصا أن هذه الأحداث تزامنت مع تصاعد الأصوات المنادية باسترجاع استقلال الجزائر والتحرر من الاستعمار الفرنسي وتفجير الثورة التي كان ينظر إليها «يونس» على أنها حرب دامية يقتل فيها الإخوة، رافضا أن تحطم الصداقة الحميمة التي جمعته مع شباب من «الأقدام السوداء». كما رفض أن يتنكر لعمه وزوجة عمه اللذين منحاه كل الإمكانيات من أجل التمتع بحياة هادئة وسعيدة، وفي الوقت نفسه لم يكن «يونس» يتصور نفسه بعيدا عن «القيم الأخلاقية» التي زرعها فيه والده من كرامة وفخر بالأجداد واحترام للتقاليد والتمسك بكلمة ورأي واحد، وهذا مما جعل قصة حبه مع «إيميلي» يتهددها الفشل.